منذ الإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين عقب ثورة 30 يونيو 2013، تتواصل التساؤلات حول مصير الثروات الهائلة التي كانت تمتلكها الجماعة وتديرها عبر شبكات اقتصادية غير رسمية امتدت في جميع أنحاء الجمهورية. هذه الأموال، التي وُصفت بـ”المليارات الصامتة”، لم تختفِ من المشهد، بل يبدو أنها اتخذت مسارات خفية عبر واجهات تجارية وأشخاص عاديين باتوا بين ليلة وضحاها من كبار المستثمرين في قطاعات استراتيجية.
شبكات اقتصادية مغلقة قبل الثورة
قبل عام 2013، أنشأت الجماعة منظومة اقتصادية موازية تعمل خارج القنوات الرسمية. شملت هذه المنظومة قطاعات متعددة مثل العقارات، تجارة المواد الغذائية، المقاولات، الملابس، المدارس الخاصة، ومحطات الوقود. وكانت تُدار على مستويات محلية، حيث كان لكل حي أو قرية مسئول مالي يدير استثمارات الجماعة، ضمن منظومة تتصل هرميًا حتى تصل إلى مستوى المحافظات.
هذه الشبكات لم تكن فقط لتحقيق أرباح، بل كانت أداة لجذب الأفراد القادرين ماليًا، خصوصًا أولئك المترددين في التعامل مع البنوك التقليدية بسبب معتقدات دينية. وبشعارات مثل “التمويل الحلال” و”الاستثمار في الجماعة الربانية”، تمكّنت الجماعة من جذب أموال ضخمة من أفراد من داخل وخارج التنظيم.
إعادة توزيع الثروات بعد السقوط
مع سقوط نظام الجماعة وتكثيف الرقابة على مصادر تمويلها، بدأت مرحلة جديدة تمثلت في إعادة توزيع الأموال. وفقًا لمراقبين اقتصاديين، جرى ضخ هذه الأموال عبر أفراد من خارج التنظيم الرسمي — خاصة من التجار الصغار وأصحاب العلاقات الوثيقة — كوسيلة للتمويه والابتعاد عن شبهة المصادرة.
بدأت تظهر كيانات اقتصادية جديدة، وتحديدًا في مجالات المقاولات وتجارة الجملة والعقارات، يديرها أشخاص لم تكن لهم سوابق في النشاط التجاري المعروف. لكن الأهم من كل ذلك هو ضخامة رؤوس الأموال التي دخلوا بها السوق في وقت قياسي، ما أثار الكثير من الشكوك حول مصادر التمويل.
الوجود السوري كملاذ آمن
في هذه المرحلة، برز حضور رجال الأعمال السوريين بقوة في السوق المصري. فرغم أن الكثير منهم دخل البلاد لاجئًا بلا ممتلكات، إلا أن السنوات اللاحقة شهدت صعودًا لافتًا لأسماء سورية أصبحت تملك شركات ومصانع وعقارات وحتى علامات تجارية شهيرة.
ويرى محللون أن بعض هذه الكيانات ربما كانت واجهة جديدة لتدوير أموال الجماعة، خاصة أن السوريين كانوا بعيدين عن الرصد الأمني المصري مقارنة بالمواطنين المحليين، ما جعلهم ملاذًا آمنًا لبعض الاستثمارات غير المعلنة.
علامات تجارية مثيرة للجدل
ومن بين المؤشرات التي أعادت هذا الملف إلى الواجهة، الانتشار السريع وغير المعتاد لعدد من سلاسل المطاعم والكافيهات والعلامات التجارية، مثل “بلبن” و”وهمي” و”بهيج” و”بسبوسة”. هذه العلامات ظهرت فجأة وافتتحت عشرات الفروع في وقت قياسي، متجاوزة علامات مصرية عريقة تعمل منذ عقود.
رأي خبير اقتصادي
ويعلق الدكتور هشام عبد المجيد، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، قائلًا:
“ظهور كيانات اقتصادية بهذا الحجم وبهذا المعدل من التوسع دون خلفية تجارية معروفة أو إفصاح مالي واضح، يثير علامات استفهام مشروعة. خصوصًا أن السوق المصري يعاني من تضخم وصعوبات تمويلية، ما يجعل من الصعب على كيان ناشئ أن يتوسع بهذه السرعة من تلقاء نفسه.”
علامات استفهام مستمرة
في ظل غياب آليات صارمة للرقابة على مصادر التمويل، وغياب الشفافية في تأسيس بعض هذه الكيانات، تبقى الأسئلة مفتوحة:
هل ما نشهده هو نتاج طبيعي لتحولات اقتصادية؟ أم أن المال السياسي وجد طريقه للعودة إلى السوق عبر قنوات غير مباشرة، مستترًا خلف لافتات تجارية لامعة؟
يبقى المشهد الاقتصادي المصري بحاجة إلى تدقيق وفحص معمق، ليس فقط لحماية السوق من اختراقات خفية، بل لضمان عدالة المنافسة وشفافية مصادر الثروات.