الشرق الأوسط ولغة التواصل

بقلم؛تامر خفاجي

0 44

طالما استخدم باحثون ومحللون وقادة عبارة «مفترق طرق» عند محاولة الإشارة إلى مرور الدول والجماعات الوطنية بمنعطفات مفصلية، وكثيراً ما تم استخدام هذه العبارة من دون روية أو استحقاق، أما اليوم، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تمر، على الأرجح، عبر مفترق طرق حاسم ومُعقّد.سيمكن إيراد الكثير من الأمثلة التى تسوغ مرور المنطقة بمفترق الطرق الذى نتحدث عنه؛ ومن ذلك ما يتعلق بالتحديات السياسية والاقتصادية والأمنية والخدمية والبيئية العارمة، وهناك أيضاً ما يتصل بحالة عدم الاستقرار الإقليمى، وبوادر الصراعات التى يمكن أن تتحول إلى حرائق فى أى لحظة.
لكن مع ذلك سيبرز تحدٍّ من نوع مختلف، وهو ذلك التحدى الذى يتجسّد فى قدرة كل دولة من دول المنطقة على التواصل مع أجيال جديدة شابة، تتسم بسمات مختلفة عن الأجيال السابقة، خصوصاً فى ما يتعلق بتبنيها نسقاً من الرموز والقيم والأفكار ذات الطابع العالمى، وقدرتها على مطالعة ما يجرى ويتفاعل فى بيئات أخرى بعيدة، وفهمه، والتأثر به.

سنجد شيئاً من ذلك فى إيران، التى يتحدث قطاع واسع من شبابها لغة مختلفة تماماً عما تتحدّث به النخب والمؤسسات الضالعة فى الحكم والقرار، وسنجده أيضاً فى منطقة الخليج العربى، حيث تُعاد صياغة الكثير من الأفكار وأنماط العيش، وسنجده كذلك فى المشرق العربى، ووادى النيل، وشمال أفريقيا.

والشاهد أن الدولة ومؤسساتها تحتاج إلى وسائل فعّالة للتواصل مع مواطنيها، والتأثير فيهم، وإقناعهم، وصولاً إلى الحصول على مطاوعتهم وثقتهم ورضاهم، وهو أمر حيوى وضرورى لصيانة المصلحة العامة، ومن دون توافر الدولة على تلك الميزة، تضحى قدرتها على تحقيق الاستقرار والنمو محل شك كبير.

ولا يمكن للدولة ومؤسساتها أن تنجح فى تواصلها مع مواطنيها من دون إدراك لطبيعة القيم والأفكار السائدة بينهم، وعندما تخفق الدولة فى قراءة التحولات والتغيرات التى تطرأ على المنظومة القيمية والأفكار السائدة فى المجتمع، فإن رسائلها تضل طريقها، وحججها تعجز عن الإقناع.

وفى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سيبدو واضحاً أن التغيرات المتسارعة فى طرائق التفكير ومنظومة القيم، التى يتبناها قطاع عريض من الشباب الأصغر سناً، لا تجد صدى فى اللغة التى تعتمدها الدولة ومؤسساتها فى بعض الأحيان، وهو أمر يخلق فجوة فى الاتصال أولاً، وفى الثقة والرضا ثانياً، بين قطاعات من الجيل الشاب، وبين البُنى التقليدية والمؤسسات فى الدولة والمجتمع.

ستكون «السوشيال ميديا» هى المكان الأنسب لإدراك هذه الفجوة، وستكون أيضاً أحد أهم الأسباب فى صُنعها؛ إذ عبرها يمكن اكتشاف هذا الانقطاع الكبير بين الشباب واللغة المؤسساتية، وهو انقطاع ينعكس انصرافاً أو سخرية أو نقداً مريراً.

وعبرها أيضاً سيمكن ملاحظة دورها الكبير فى إطلاع هذا الشباب على مستجدات عالمية، وأفكار أكثر حرية، وصور وأنماط معيشة مغايرة، مما وسّع مداركه، وأبقاه أكثر قدرة على إحداث المقارنة فى أنماط الأداء العمومى العالمية والإقليمية من جانب، والوطنية من جانب آخر، وهى مقارنة يمكن أن تعزّز لديه الرضا والاقتناع، أو تدفعه إلى الانسحاب والقنوط والتمرّد.

فعبر التصادم المفضى إلى التغيير تتأثر القيم السائدة فى أى مجتمع، وقد تنحو نحو منظومة من التقاليد والنزعات العالمية، التى باتت محل ثقة واهتمام ورواج بين قطاعات من الأجيال الجديدة، وهو الأمر الذى حدث عبر أوروبا كلها سابقاً، ويحدث حولنا بصورة متسارعة فى بعض بلدان منطقة الشرق الأوسط.

وعندما يخفق نظام ما فى قراءة التطور الحاصل فى بيئة القيم والرموز للقطاع الحيوى من مواطنيه، فإنه ينتهج سياسات غير شعبية، ولا تحظى بالتأييد والتفهّم، وبالتالى، فهو يستفز طاقة المعارضة، ويدخل فى صدامات، يصعب جداً أن يربح نتائجها.ومع الاعتراف بأن ثمة الكثير من التباين بين قطاعات الشباب الشرق أوسطى على أكثر من قاعدة ووفق أكثر من تصنيف، فإن الاتجاه السائد بين المتعلمين منهم يبدو مخاصماً لكثير مما يجرى من ممارسات سياسية واقتصادية واجتماعية فى المنطقة.

ويسود الاعتقاد بأن ذرائع الاحتجاج أو التمرّد لدى بعض القطاعات الشابة تتصل بصورة مباشرة بالصعوبات والتحديات الاقتصادية، التى تواجهها أى دولة، لكن السبب قد يكمن أيضاً فى أن هذه القطاعات الشابة ترى أن ما يجرى راهناً فى الحياة السياسية والمجال العام فى بلادها لا يتسق مع الرموز والقيم والأدبيات العالمية التى اطلعت عليها أو قرأت عنها أو درستها.

وعندما تعجز أى دولة عن إدراك ذلك، فإن الأضرار تقع، وستكون الأضرار الداخلية متناسبة طردياً مع حالة الإدراك والاهتمام بتلك القيم والرموز العالمية.

فإذا كانت قطاعات مؤثرة من الشبان والشابات يعرفون عن الديمقراطية، وتداول السلطة، والمحاسبة، والحوكمة، والإعلام الحر، وحقوق الإنسان، والفصل بين السياسة وسلطة رجال الدين، وسيادة القانون، وطرق إدارة الشئون العامة فى المجتمعات الأكثر تقدّماً، فسيكون من الصعب جداً التحدّث إليهم بلغة مغايرة تعود إلى عقود سابقة، أو تعكس مقاربات غير معيارية.

تحتاج منطقة الشرق الأوسط إلى لغة جديدة للتواصل مع الأجيال الشابة؛ وهى لغة يجب أن تعكس سياسات على الأرض، وأن تحترم تطلعات الشباب وطموحه إلى حياة أفضل، تتناسب مع ما بات يعرفه ويتمناه من أشكال العيش وأنماط الحياة.
وللحديث بقيه مادام في العمر بقية…. وغدا افضل باذن الله

بنك مصر مقالات
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.