الولايات التحدة الامريكية في مواجهه الصين

شهد المجتمع الدولى، فى السنوات الأخيرة، مواجهة متزايدة من ناحية، وتعاونًا جديرًا بالاعتبار من ناحية أخرى بين الولايات المتحدة والصين. وقد جاء هذا بعد أن اكتسبت الأخيرة حصة أكبر فى سوق الاقتصاد العالمى وطوّرت قدراتها العسكرية وبالنظر إلى مستقبل العلاقة بين القوتين فى المستقبل نجد أن الخبراء والمحللين قد انقسموا إلى فريقين، حيث يدعم الفريق الأول فكرة أن التعاون هو ما سيقود العلاقة بين البلدين، أما الفريق الثانى فيميل نحو فكرة أن المواجهة بين الطرفين هى ما ستسود العلاقة بينهما، آملًا أن تتغير وجهة النظر هذه مستقبلًا إن الحجم الهائل لهذين البلدين، خاصة ثقلهما الاقتصادى، يجعل من غير الممكن تجاهلهما. وترتبط شهيتهما المفتوحة للنمو الاقتصادى بطموحاتهما واعتباراتهما السياسية، مما يضعهما غالبية الوقت إما فى منافسة أو فى صراع مستمر مع بعضهما البعض. وبالتالى، فمن الأرجح أن المواجهة والتعاون بين هذين العملاقين سيكونان متلازمين فيما يخص شكل العلاقة بينهما. كثيرًا ما تجذب لعبة المواجهة بين القوى الكبرى فاعلين دوليين أو إقليميين آخرين. ولذا نلاحظ أن آسيا اليوم تشهد سباقًا للتسلح أكثر من أى وقت مضى، فلم يعد يقتصر سباق التسلح على الصين والولايات المتحدة فحسب، بل يشمل أيضًا حلفاء مباشرين وغير مباشرين، مثل اليابان، والكوريتين الجنوبية والشمالية، وكذلك روسيا. وقد انعكس هذا السباق فى عدة أنشطة، منها الأنشطة العسكرية فى بحر الصين الشرقى، وإطلاق العديد من الأطراف للصواريخ البالستية، وتوسيع الترسانات النووية فى المنطقة، ومضاعفة الميزانيات العسكرية، وكذلك رفع القدرات العسكرية، والسعى لامتلاك صواريخ متنقلة مضادة للسفن، والتطوير فى خطط نشر مشاة البحرية الأمريكية. كل فعل من هذه الأفعال قُوبل بالذعر والقلق من الآخرين فى المنطقة. وعلى الجانب الآخر، وقعت سلسلة من الأحداث المتتالية أدت إلى تفاقم القلق على مستقبل العلاقات بين الصين والولايات المتحدة. فقد تمت مناورات بين السفن اليابانية والصينية فى مناطق متجاورة. وكذلك انضمت السفن الحربية الروسية إلى السفن والطائرات الصينية فى تدريبات بالذخيرة الحية فى بحر الصين الشرقى. وأجرت الصين تدريبات عسكرية غير مسبوقة حول الجزيرة وعبر خط الوسط. ومن ناحية أخرى، وافقت الولايات المتحدة على قائمة متزايدة من المبيعات العسكرية لتايوان. وبالتوازى مع كل هذه الأحداث أكدت كوريا الشمالية خططًا لزيادة كبيرة فى القدرة النووية وأنظمة التسليح الخاصة بها. ويتصور البعض أن إعلان كوريا الشمالية هذا من شأنه أن يضعها فى مرتبة متقدمة على مرتبتى فرنسا وبريطانيا فى المجال النووى، مما سيزيد من الالتزامات الأمنية الجوهرية من قبل الولايات المتحدة تجاه حلفائها فى المنطقة. ويشمل هذا الالتزام الأمنى وجود حاملة طائرات أمريكية كبرى فى الفناء الخلفى لكوريا الشمالية، وهو ما يُنظر إليه على أنه تهديد للصين. أضف إلى ذلك أن الإعلان الكورى الشمالى قد أوجد احتمالات لرفع القدرة العسكرية من قبل كوريا الجنوبية أيضًا. وكنتيجة لكل هذه الأحداث، تزايد القلق بشكل مباشر فى المنطقة، وأصبحت هناك توقعات بأن المواجهة الأمريكية الصينية صارت أمرًا لا مفر منه. لاشك أن تصعيد الأمور على المستويين العسكرى والأمنى يزيد من احتمالية المواجهة، وكذلك يفعل فرط التهويل بشأن تصورات كل طرف عن حجم التهديد المرتبط بالجانب الآخر، مما يزيد من مخاطر الاشتباك الفعلى. وهذا التصعيد غالبًا ما ينعكس بشكل أكبر فى اللهجات العدوانية بين المتحاورين فى النقاشات السياسية. ومن الأمور الموثقة الآن أن الولايات المتحدة ترى فى الصين تهديدًا وجوديًا استراتيجيًا يسبق بكثير حتى التهديد الروسى لها. التعامل مع أوكرانيا الصين والولايات المتحدة قوتان رئيسيتان تهتمان اهتمامًا كبيرًا بالأحداث الدولية، واهتمامهما بالحرب فى أوكرانيا هو أحد أمثلة ذلك. فبالنسبة للجانب الصينى، يُلاحظ أن الصين كانت شديدة الحذر فى هذا الصدد. فمن ناحية، كان من الواضح أنها غير مرتاحة لسياسة الهيمنة الغربية المتزايدة. ولم تكن فى الوقت نفسه مرتاحة لقيام روسيا بعمليات عسكرية مباشرة داخل الأراضى الأوكرانية. ومن هذا المنطلق تحدثت الصين عن الحاجة إلى نظام عالمى جديد. وفى الوقت نفسه، فقد حرصت الصين على عدم الانجرار إلى تقديم الدعم العسكرى لروسيا، ومن المفهوم أيضًا أنها حثت بوتين فى محادثات خاصة على أهمية إنهاء العمليات العسكرية فى أوكرانيا. كما أنها حذرت علانية كلًا من المستشار الألمانى شولتز، والرئيس الأمريكى بايدن، من التهديد باستخدام الأسلحة النووية، وأكدت بشدة أنه لا ينبغى خوض حرب نووية أبدًا. ولقد اتخذت الصين هذا الموقف علنًا على الرغم من حديث بايدن بعدائية شديدة فيما يتعلق بقضية تايوان، وقد جاء رد الإدارة الصينية بسرعة معلنًا أنها لم تغير موقف «الصين الواحدة». وتظل الحقيقة المفروغ منها هى أن الصين قد تابعت بعناية العمليات السياسية والعسكرية والاقتصادية المرتبطة بأزمة أوكرانيا. فالمنهج الذى تسلكه روسيا فى هذه الحرب هو إحدى النقاط التى يجب أن تجذب اهتمام الصين، لأنها ستؤثر فى وزن روسيا كشريك للصين. وهناك حقيقة أخرى أكثر أهمية ألا وهى قدرة الغرب الكبيرة على دعم أوكرانيا عسكريًا، عن طريق الأسلحة وأجهزة الاستخبارات، وكذلك اقتصاديًا. ومع ذلك، لا يمكن إخفاء حقيقة أن توفير قوات برية أو أفراد عسكريين نشطين فى مسارح العمليات العسكرية بأوكرانيا لم يكن خيارًا أمام الغرب بشكل عام. كما أن الخطوات التى يتخذها الغرب لفرض عقوبات على روسيا وشلّ أو على الأقل خنق اقتصادها (بجعل الأصول المالية غير متوفرة) لن تمر مرور الكرام على الصين. وكل هذا سيؤثر فى حسابات ردود الأفعال الأمريكية والغربية المحتملة فى آسيا. وسيؤكد أهمية قيام الصين بتعزيز نمط اقتصاد مضاد للعقوبات، من خلال تعزيز مكانة اليوان الدولية، وزيادة حصة العملة من احتياطيات النقد الأجنبى العالمية. ولذلك، فأنا أؤكد أن هناك إمكانية كبيرة لحدوث مواجهة بين الولايات المتحدة والصين، سواء كان بناءً على نيّة مسبقة أو غير مقصودة، وينطبق هذا بشكل خاص أيضًا على ما يتعلق بالوضع فى تايوان وإعادة التوحيد مع الصين الأم. هل تتعاون القوى العظمى؟ وعلى صعيد آخر، فبالرغم من المنافسة الشديدة والمتزايدة فى المجال الاقتصادى بين الصين والولايات المتحدة، إلا أن هناك قدرًا كبيرًا من التفاعل والاعتماد المتبادل بين البلدين. ويُبشر هذا التفاعل والاعتماد المتبادلين باحتمالية حدوث تعاون بين البلدين أو على الأقل إمكانية احتواء المنافسة الاقتصادية الشرسة- ذات المنفعة المتبادلة- بينهما. فلقد زادت قيمة واردات الولايات المتحدة من الصين بنسبة 500% خلال العقدين الماضيين لتصل إلى 500 مليار دولار فى عام 2021. وتعد الولايات المتحدة ثانى أكبر شريك تجارى للصين بقيمة 759.4 مليار دولار، وتحتل المرتبة الثانية بعد الاتحاد الأوروبى الذى يصل تعاونه مع الصين إلى 847.3 مليار دولار. كما تعد الصين أكبر شريك تجارى للولايات المتحدة فيما يخص السلع، حيث بلغ إجمالى تجارة السلع بينهما 559.2 مليار دولار أمريكى من إجمالى تجارة السلع فى عام 2020. وتخلق الصادرات إلى الصين ما يقرب من 900 ألف فرصة عمل بالولايات المتحدة، فعلى سبيل المثال توظف الشركات الصينية وحدها فى الولايات المتحدة حوالى 160 ألف عامل. لاتزال معطيات وأرقام معاملات التجارة والاستثمار تشير إلى عمق الترابط بين الولايات المتحدة والصين. ولكن فى الغالب، سيظل كلاهما يحتل نسبًا متباينة فى النظام الدولى وهو يمضى قدمًا. فكلاهما يمتلك قطاعات تقنية حيوية، ورؤوس أموال ضخمة، وبيانات وفيرة، وأنظمة بيئية مبتكرة عالية التنافسية، وإن كان بنسب مختلفة. فعلى سبيل المثال، ما يقرب من نصف عدد شركات الذكاء الاصطناعى على مستوى العالم، البالغ عددها 4500، تعمل فى الولايات المتحدة، والثلث يعمل فى الصين. ويرى المدقق فى أحوال العلاقات بين الولايات المتحدة والصين أن التوتر بينهما يزداد أحيانًا؛ ولكن من ناحية أخرى، لا يمكن أن تذهب عقود من الترابط بينهما سدى. ولكن يظل الواقع الحالى أن كلا البلدين يحاول أن يتخذ خطوات للحد من تأثير وسيطرة الآخر. ولذا نجد أن الصين تعمل على تنظيم المصادر التى تحصل بها شركاتها على رأس المال الأجنبى. وفى الوقت نفسه نجد أن الولايات المتحدة حساسة للغاية وحريصة على تقييد وصول الصين إلى قطاع التكنولوجيا لديها، وبخاصة إلى الرقائق الإلكترونية الدقيقة، وبالتالى فلا تشجع شركاتها على الاستثمار فى الصين. وبالرغم من هذه الحساسية الأمريكية تجاه الصين إلا أن شركات الاستثمار الأمريكية الكبرى قد زادت من وجودها فى الصين. وتشير التقديرات إلى أن المستثمرين الأمريكيين يمتلكون 1.1 تريليون دولار من الأسهم فى الشركات الصينية، وأن هناك 3.3 تريليون دولار مستثمرة فى الأسهم والسندات ثنائية الاتجاه بين الولايات المتحدة والصين منذ نهاية عام 2020. ومن أهم مجالات الترابط بين الولايات المتحدة والصين مجال إنتاج المعرفة، خاصة عبر الشركات التى تعمل على إنشاء مراكز بحثية. ومن المتوقع فى المستقبل القريب أن تؤدى الخطابات لاذعة اللهجة، وتبادل التدابير المضادة، إلى إبطاء وتيرة التعاون الاجتماعى والاقتصادى بين البلدين، خاصة مع وجود البيئة الجيوسياسية المتوترة المحيطة بهما. فعلى سبيل المثال، تأتى خطابات وأفعال الرئيس بايدن دائمًا حادة فى هذا الصدد. وبالتالى فمن غير المرجح حدوث تحسن فى العلاقات الصينية- الأمريكية فى المدى القريب، وغالبًا ما ستظل متوترة. وللحديث بقية مادام في العمر بقية.... وغدا افضل باذن الله ومع ذلك، فإن كليهما سوف يعمل على التحكم فى دوافعه العدائية تجاه الآخر، مع الاستمرار فى منافسة قوية لمواجهة تحديات عصرنا. من الممكن أن تشهد العلاقات بين الولايات المتحدة والصين مواجهة عسكرية فى المستقبل، وإن كانت على الأرجح ستكون مواجهة ذات طبيعة احتوائية. ولكن الأكثر ترجيحًا أن يحمل المستقبل القريب علاقة بين البلدين تتميز بالمشاركة التصادمية حتى يستقر نظام عالمى جديد. وستتطلب هذه الأوضاع غير المستقرة بين الولايات المتحدة والصين تقييمًا مستمرًا ودقيقًا من قبل الفاعلين الدوليين الآخرين، الذين ستخدمهم على أفضل وجه العلاقات المفتوحة والمتنوعة مع هاتين القوتين العظيمتين إذا التزاموا بعدم الوقوع فى فخ الاعتماد المفرط على واحدة دون الأخرى وللحديث بقيه مادام في العمر بقية…. وغدا افضل باذن الله

0 42

شهد المجتمع الدولى، فى السنوات الأخيرة، مواجهة متزايدة من ناحية، وتعاونًا جديرًا بالاعتبار من ناحية أخرى بين الولايات المتحدة والصين. وقد جاء هذا بعد أن اكتسبت الأخيرة حصة أكبر فى سوق الاقتصاد العالمى وطوّرت قدراتها العسكرية وبالنظر إلى مستقبل العلاقة بين القوتين فى المستقبل نجد أن الخبراء والمحللين قد انقسموا إلى فريقين، حيث يدعم الفريق الأول فكرة أن التعاون هو ما سيقود العلاقة بين البلدين، أما الفريق الثانى فيميل نحو فكرة أن المواجهة بين الطرفين هى ما ستسود العلاقة بينهما، آملًا أن تتغير وجهة النظر هذه مستقبلًا
إن الحجم الهائل لهذين البلدين، خاصة ثقلهما الاقتصادى، يجعل من غير الممكن تجاهلهما. وترتبط شهيتهما المفتوحة للنمو الاقتصادى بطموحاتهما واعتباراتهما السياسية، مما يضعهما غالبية الوقت إما فى منافسة أو فى صراع مستمر مع بعضهما البعض. وبالتالى، فمن الأرجح أن المواجهة والتعاون بين هذين العملاقين سيكونان متلازمين فيما يخص شكل العلاقة بينهما.
كثيرًا ما تجذب لعبة المواجهة بين القوى الكبرى فاعلين دوليين أو إقليميين آخرين. ولذا نلاحظ أن آسيا اليوم تشهد سباقًا للتسلح أكثر من أى وقت مضى، فلم يعد يقتصر سباق التسلح على الصين والولايات المتحدة فحسب، بل يشمل أيضًا حلفاء مباشرين وغير مباشرين، مثل اليابان، والكوريتين الجنوبية والشمالية، وكذلك روسيا.
وقد انعكس هذا السباق فى عدة أنشطة، منها الأنشطة العسكرية فى بحر الصين الشرقى، وإطلاق العديد من الأطراف للصواريخ البالستية، وتوسيع الترسانات النووية فى المنطقة، ومضاعفة الميزانيات العسكرية، وكذلك رفع القدرات العسكرية، والسعى لامتلاك صواريخ متنقلة مضادة للسفن، والتطوير فى خطط نشر مشاة البحرية الأمريكية. كل فعل من هذه الأفعال قُوبل بالذعر والقلق من الآخرين فى المنطقة.
وعلى الجانب الآخر، وقعت سلسلة من الأحداث المتتالية أدت إلى تفاقم القلق على مستقبل العلاقات بين الصين والولايات المتحدة. فقد تمت مناورات بين السفن اليابانية والصينية فى مناطق متجاورة. وكذلك انضمت السفن الحربية الروسية إلى السفن والطائرات الصينية فى تدريبات بالذخيرة الحية فى بحر الصين الشرقى. وأجرت الصين تدريبات عسكرية غير مسبوقة حول الجزيرة وعبر خط الوسط.
ومن ناحية أخرى، وافقت الولايات المتحدة على قائمة متزايدة من المبيعات العسكرية لتايوان. وبالتوازى مع كل هذه الأحداث أكدت كوريا الشمالية خططًا لزيادة كبيرة فى القدرة النووية وأنظمة التسليح الخاصة بها.
ويتصور البعض أن إعلان كوريا الشمالية هذا من شأنه أن يضعها فى مرتبة متقدمة على مرتبتى فرنسا وبريطانيا فى المجال النووى، مما سيزيد من الالتزامات الأمنية الجوهرية من قبل الولايات المتحدة تجاه حلفائها فى المنطقة.
ويشمل هذا الالتزام الأمنى وجود حاملة طائرات أمريكية كبرى فى الفناء الخلفى لكوريا الشمالية، وهو ما يُنظر إليه على أنه تهديد للصين. أضف إلى ذلك أن الإعلان الكورى الشمالى قد أوجد احتمالات لرفع القدرة العسكرية من قبل كوريا الجنوبية أيضًا. وكنتيجة لكل هذه الأحداث، تزايد القلق بشكل مباشر فى المنطقة، وأصبحت هناك توقعات بأن المواجهة الأمريكية الصينية صارت أمرًا لا مفر منه.
لاشك أن تصعيد الأمور على المستويين العسكرى والأمنى يزيد من احتمالية المواجهة، وكذلك يفعل فرط التهويل بشأن تصورات كل طرف عن حجم التهديد المرتبط بالجانب الآخر، مما يزيد من مخاطر الاشتباك الفعلى. وهذا التصعيد غالبًا ما ينعكس بشكل أكبر فى اللهجات العدوانية بين المتحاورين فى النقاشات السياسية. ومن الأمور الموثقة الآن أن الولايات المتحدة ترى فى الصين تهديدًا وجوديًا استراتيجيًا يسبق بكثير حتى التهديد الروسى لها.
التعامل مع أوكرانيا
الصين والولايات المتحدة قوتان رئيسيتان تهتمان اهتمامًا كبيرًا بالأحداث الدولية، واهتمامهما بالحرب فى أوكرانيا هو أحد أمثلة ذلك. فبالنسبة للجانب الصينى، يُلاحظ أن الصين كانت شديدة الحذر فى هذا الصدد. فمن ناحية، كان من الواضح أنها غير مرتاحة لسياسة الهيمنة الغربية المتزايدة. ولم تكن فى الوقت نفسه مرتاحة لقيام روسيا بعمليات عسكرية مباشرة داخل الأراضى الأوكرانية.
ومن هذا المنطلق تحدثت الصين عن الحاجة إلى نظام عالمى جديد. وفى الوقت نفسه، فقد حرصت الصين على عدم الانجرار إلى تقديم الدعم العسكرى لروسيا، ومن المفهوم أيضًا أنها حثت بوتين فى محادثات خاصة على أهمية إنهاء العمليات العسكرية فى أوكرانيا.
كما أنها حذرت علانية كلًا من المستشار الألمانى شولتز، والرئيس الأمريكى بايدن، من التهديد باستخدام الأسلحة النووية، وأكدت بشدة أنه لا ينبغى خوض حرب نووية أبدًا.
ولقد اتخذت الصين هذا الموقف علنًا على الرغم من حديث بايدن بعدائية شديدة فيما يتعلق بقضية تايوان، وقد جاء رد الإدارة الصينية بسرعة معلنًا أنها لم تغير موقف «الصين الواحدة».
وتظل الحقيقة المفروغ منها هى أن الصين قد تابعت بعناية العمليات السياسية والعسكرية والاقتصادية المرتبطة بأزمة أوكرانيا. فالمنهج الذى تسلكه روسيا فى هذه الحرب هو إحدى النقاط التى يجب أن تجذب اهتمام الصين، لأنها ستؤثر فى وزن روسيا كشريك للصين.
وهناك حقيقة أخرى أكثر أهمية ألا وهى قدرة الغرب الكبيرة على دعم أوكرانيا عسكريًا، عن طريق الأسلحة وأجهزة الاستخبارات، وكذلك اقتصاديًا. ومع ذلك، لا يمكن إخفاء حقيقة أن توفير قوات برية أو أفراد عسكريين نشطين فى مسارح العمليات العسكرية بأوكرانيا لم يكن خيارًا أمام الغرب بشكل عام.
كما أن الخطوات التى يتخذها الغرب لفرض عقوبات على روسيا وشلّ أو على الأقل خنق اقتصادها (بجعل الأصول المالية غير متوفرة) لن تمر مرور الكرام على الصين. وكل هذا سيؤثر فى حسابات ردود الأفعال الأمريكية والغربية المحتملة فى آسيا.
وسيؤكد أهمية قيام الصين بتعزيز نمط اقتصاد مضاد للعقوبات، من خلال تعزيز مكانة اليوان الدولية، وزيادة حصة العملة من احتياطيات النقد الأجنبى العالمية.
ولذلك، فأنا أؤكد أن هناك إمكانية كبيرة لحدوث مواجهة بين الولايات المتحدة والصين، سواء كان بناءً على نيّة مسبقة أو غير مقصودة، وينطبق هذا بشكل خاص أيضًا على ما يتعلق بالوضع فى تايوان وإعادة التوحيد مع الصين الأم.
هل تتعاون القوى العظمى؟
وعلى صعيد آخر، فبالرغم من المنافسة الشديدة والمتزايدة فى المجال الاقتصادى بين الصين والولايات المتحدة، إلا أن هناك قدرًا كبيرًا من التفاعل والاعتماد المتبادل بين البلدين. ويُبشر هذا التفاعل والاعتماد المتبادلين باحتمالية حدوث تعاون بين البلدين أو على الأقل إمكانية احتواء المنافسة الاقتصادية الشرسة- ذات المنفعة المتبادلة- بينهما.
فلقد زادت قيمة واردات الولايات المتحدة من الصين بنسبة 500% خلال العقدين الماضيين لتصل إلى 500 مليار دولار فى عام 2021. وتعد الولايات المتحدة ثانى أكبر شريك تجارى للصين بقيمة 759.4 مليار دولار، وتحتل المرتبة الثانية بعد الاتحاد الأوروبى الذى يصل تعاونه مع الصين إلى 847.3 مليار دولار.
كما تعد الصين أكبر شريك تجارى للولايات المتحدة فيما يخص السلع، حيث بلغ إجمالى تجارة السلع بينهما 559.2 مليار دولار أمريكى من إجمالى تجارة السلع فى عام 2020. وتخلق الصادرات إلى الصين ما يقرب من 900 ألف فرصة عمل بالولايات المتحدة، فعلى سبيل المثال توظف الشركات الصينية وحدها فى الولايات المتحدة حوالى 160 ألف عامل.
لاتزال معطيات وأرقام معاملات التجارة والاستثمار تشير إلى عمق الترابط بين الولايات المتحدة والصين. ولكن فى الغالب، سيظل كلاهما يحتل نسبًا متباينة فى النظام الدولى وهو يمضى قدمًا. فكلاهما يمتلك قطاعات تقنية حيوية، ورؤوس أموال ضخمة، وبيانات وفيرة، وأنظمة بيئية مبتكرة عالية التنافسية، وإن كان بنسب مختلفة. فعلى سبيل المثال، ما يقرب من نصف عدد شركات الذكاء الاصطناعى على مستوى العالم، البالغ عددها 4500، تعمل فى الولايات المتحدة، والثلث يعمل فى الصين.
ويرى المدقق فى أحوال العلاقات بين الولايات المتحدة والصين أن التوتر بينهما يزداد أحيانًا؛ ولكن من ناحية أخرى، لا يمكن أن تذهب عقود من الترابط بينهما سدى. ولكن يظل الواقع الحالى أن كلا البلدين يحاول أن يتخذ خطوات للحد من تأثير وسيطرة الآخر.
ولذا نجد أن الصين تعمل على تنظيم المصادر التى تحصل بها شركاتها على رأس المال الأجنبى. وفى الوقت نفسه نجد أن الولايات المتحدة حساسة للغاية وحريصة على تقييد وصول الصين إلى قطاع التكنولوجيا لديها، وبخاصة إلى الرقائق الإلكترونية الدقيقة، وبالتالى فلا تشجع شركاتها على الاستثمار فى الصين.
وبالرغم من هذه الحساسية الأمريكية تجاه الصين إلا أن شركات الاستثمار الأمريكية الكبرى قد زادت من وجودها فى الصين. وتشير التقديرات إلى أن المستثمرين الأمريكيين يمتلكون 1.1 تريليون دولار من الأسهم فى الشركات الصينية، وأن هناك 3.3 تريليون دولار مستثمرة فى الأسهم والسندات ثنائية الاتجاه بين الولايات المتحدة والصين منذ نهاية عام 2020.
ومن أهم مجالات الترابط بين الولايات المتحدة والصين مجال إنتاج المعرفة، خاصة عبر الشركات التى تعمل على إنشاء مراكز بحثية.
ومن المتوقع فى المستقبل القريب أن تؤدى الخطابات لاذعة اللهجة، وتبادل التدابير المضادة، إلى إبطاء وتيرة التعاون الاجتماعى والاقتصادى بين البلدين، خاصة مع وجود البيئة الجيوسياسية المتوترة المحيطة بهما.
فعلى سبيل المثال، تأتى خطابات وأفعال الرئيس بايدن دائمًا حادة فى هذا الصدد. وبالتالى فمن غير المرجح حدوث تحسن فى العلاقات الصينية- الأمريكية فى المدى القريب، وغالبًا ما ستظل متوترة. وللحديث بقية مادام في العمر بقية…. وغدا افضل باذن الله
ومع ذلك، فإن كليهما سوف يعمل على التحكم فى دوافعه العدائية تجاه الآخر، مع الاستمرار فى منافسة قوية لمواجهة تحديات عصرنا.
من الممكن أن تشهد العلاقات بين الولايات المتحدة والصين مواجهة عسكرية فى المستقبل، وإن كانت على الأرجح ستكون مواجهة ذات طبيعة احتوائية. ولكن الأكثر ترجيحًا أن يحمل المستقبل القريب علاقة بين البلدين تتميز بالمشاركة التصادمية حتى يستقر نظام عالمى جديد.
وستتطلب هذه الأوضاع غير المستقرة بين الولايات المتحدة والصين تقييمًا مستمرًا ودقيقًا من قبل الفاعلين الدوليين الآخرين، الذين ستخدمهم على أفضل وجه العلاقات المفتوحة والمتنوعة مع هاتين القوتين العظيمتين إذا التزاموا بعدم الوقوع فى فخ الاعتماد المفرط على واحدة دون الأخرى وللحديث بقيه مادام في العمر بقية…. وغدا افضل باذن الله

بنك مصر مقالات
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.