(صدمة كبيرة في إسرائيل وإعلامها)

بقلم د. تامر خفاجي

0 29

كانوا ينتظرون أن يُستقبَلوا بالورود وهتافات الترحيب وأن تُفتح لهم الأبواب حيثما ذهبوا، فإذا بهم يُصدمون برفض شعبي وعربي واسع لأيّ تعامل معهم، ويقابَلون بعبارات الاستهجان ويُخبَرون بأنهم غير مرحّب بهم، فلا يجدون في نهاية المطاف سوى التنكر في صفة صحفيين من الإكوادور، أو طلب العودة إلى فلسطين المحتلة حتى ينتهي “الجحيم” الذي يعيشونه في قطر.
هم مجموعة من الإعلاميين الصهاينة الذين ذهبوا إلى قطر لتغطية فعاليات كأس العالم الحالية، لفائدة جرائدهم وقنواتهم الفضائية، وكانوا يعتقدون أنّ تطبيع عددٍ من الأنظمة العربية مع كيانهم سيجعل الوضع الشعبي العربي مختلفا تماما هذه المرة، وأنهم سيحظون بالترحيب في كلّ مكان، لكنّهم سرعان ما صُدموا بفعل الحقيقة المرة؛ فالمشجعون العرب والمسلمون الذين غزوا قطر بالآلاف يرفضون منح أي تصريح للقنوات والصحف الصهيونية، وسائقُ تاكسي قطري يوقف سيارته فورا ويقوم بإنزال زبونيه الصهيونيين منها بمجرّد أن كشفا له عن هويتهما، وآخر يواجههم بأنّهم مجرّد قتلة لأشقائه الفلسطينيين وهو لا يرحّب بهم، ويطالبهم بمغادرة بلده، وسعوديّ يقول إنه لا وجود لشيء اسمه “إسرائيل”، بل هناك فلسطين فقط… وهنا لا يجد مراسل “يديعوت أحرونوت” سوى الاعتراف بأن نظرات الكراهية والاحتقار تواجههم من المشجِّعين العرب حيثما قابلوهم: في الشارع، وقبالة الملاعب، وفي كل مكان، فيصلُ إلى نتيجة مهمة: “طالما اعتقدتُ أن المشكلة كانت مع الحكومات العربية، ولكن في قطر عرفتُ مدى الكراهية لـ”الإسرائيليين” و”إسرائيل” بين الناس في الشارع، كم يريدون مسحَنا من وجه الأرض، وعرفتُ إلى أيّ مدى يثير كلّ ما يتعلق بـ”إسرائيل” حقدا شديدا في نفوسهم”.
وتعترف “يسرائيل هيوم” أن ما اكتشفه الصهاينة في كأس العالم بقطر كان واقعا مؤلما للغاية، وهو الرفض والتجاهل والكراهية وعدم قبولهم في بلد عربيّ مسلم، لتصل بدورها إلى استنتاج مهمّ جدا يخالف ما كانوا يعتقدونه بشأن قبول شعوب الخليج العربي للتطبيع إثر توقيع الإمارات والبحرين لاتفاقات “إبراهام” قبل سنتين “كلّ من يزعم أنّ سكان الخليج ليس لديهم عداءٌ تجاه “إسرائيل” فإنهم ينخدعون ويرون حقيقة مختلفة؛ سافر مراسلُو القنوات “الإسرائيلية” متحمّسين إلى قطر، ونصبوا الكاميرات، وانتظروا وصول العديد من السكان العرب في الخليج والدول العربية الأخرى، لتمجيد “إسرائيل”، لكنهم سرعان ما وجدوا أنفسهم في وضع الازدراء والتجاهل والسخرية”.
هي صدمة كبيرة جدا للاحتلال الذي اعتقد أنّ الحكومات العربية قادرة على كيِّ وعي شعوبها وتزييف الحقائق التاريخية، وتغيير نمط تفكيرها بمجرّد هرولتها وانبطاحها، وأنّ هذه الشعوب ستتقبّـل وجود الاحتلال وجرائمَه اليومية بحقِّ الفلسطينيين وتتعايش مع العنصرية والفاشية ولا تهتمّ إلا بأوطانها ومصالحها، فإذا به يفاجَئ بشعوبٍ واعية تنبض بالحياة وترفض الاحتلال ولا تنسى قضيتها المركزية الأولى وترفع أعلام فلسطين في مدرّجات الملاعب وفي الشوارع وفي كل مكان وتنادي بحياتها وحرّيتها، حتى المشجعون المغاربة لم يكترثوا بهرولة المخزن ورفعوا علم فلسطين في قطر وردّدوا هتافات مناصِرة لها، بل حتى مشجّعو البرازيل فعلوها وغنّوا “أنا دمي فلسطيني” فلماذا لا يُصدَم الاحتلالُ إذن؟
وإزاء هذه الصدمة المهولة، بعثت حكومة الاحتلال برسالة احتجاج إلى قطر على المعاملة الشعبية المهينة لمراسلي صحفها وقنواتها ومشجعيها وطالبتها بالاعتذار، والواقع أن قطر مدينة فعلا باعتذار، ولكن ليس لهذا الاحتلال العنصري الفاشي، بل لشعبها وللشعوب العربية والإسلامية على السماح بدخول المجرمين الصهاينة إلى أراضيها، وقد تبيّن أنّ بعضَهم ضباطٌ عسكريون يتستّرون بثوب إعلاميين.. إنها خطوة تطبيعية مرفوضة وإن تدثّرت بغطاء قوانين “فيفا”، ولكنّ للأمانة نقول إنها لم ترتقِ إلى ما فعلته الإمارات والبحرين والمغرب من عقد تحالفاتٍ أمنية وعسكرية خطيرة مع الاحتلال، وانبطاح كامل له.
إذن لا شيء غيّره التطبيعُ منذ 1979 إلى الآن، في سلوكيات الشعوب؛ فهي مجرّد اتفاقيات فوقية وقّعتها أنظمةٌ لا تمثّل شعوبها، أما الشعوب فلا تزال فلسطين حيّة في قلوبها وضمائرها، ترفض نسيانَها والتخلّي عنها، والتغاضي عن جرائم الاحتلال اليومية بحقها كما يفعل الكثيرُ من قادتها، وهو ما تستنتجه صحيفة “يسرائيل هيوم” بمرارةٍ شديدة: “سلوك المواطن العربي تجاه “إسرائيل” يشير إلى استمرار العداء منذ 70 عاما، وأنّ أصل المشكلة لا يزال قائما
وللحديث بقيه مادام في العمر بقية….. وغدا افضل باذن الله

بنك مصر مقالات
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.