صراع العروش الاقتصادية: كيف تؤثر حرب أمريكا والصين على مستقبل مصر؟
بقلم : محمد عبد الصبور
في عالم تتشابك فيه المصالح الاقتصادية عبر القارات، اندلعت حرب تجارية شرسة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، تاركة آثارها تتردد ليس فقط بين ضفتي المحيط الهادئ، بل تمتد لتصل إلى الدول النامية ومنها مصر، التي وجدت نفسها في عين العاصفة الاقتصادية رغم بعدها الجغرافي عن طرفي النزاع.
جذور الصراع: احتقان اقتصادي ممتد
منذ عام 2018، تصاعد التوتر بين واشنطن وبكين مع فرض الولايات المتحدة رسومًا جمركية على السلع الصينية، بدعوى حماية صناعتها المحلية وتقليص العجز التجاري الهائل، الذي بلغ 295.4 مليار دولار في 2024. الصين من جانبها ردت بفرض رسوم مضادة، في صراع أخذ طابعًا استراتيجيًا يتجاوز مجرد تبادل تجاري، ليشمل مجالات مثل التكنولوجيا والملكية الفكرية والنفوذ الجيوسياسي.
وفي أبريل 2025، بلغ التصعيد ذروته مع إعلان الولايات المتحدة عن رسوم بنسبة 104% على الواردات الصينية، ورد الصين برسوم بنسبة 84% على السلع الأمريكية، ما دفع الأسواق العالمية إلى دوامة من القلق والتقلب.
الارتدادات العالمية: الأسواق تهتز… والنفط يدفع الثمن
أدت الحرب التجارية إلى اضطراب في الأسواق العالمية، إذ انخفض الطلب على النفط بشكل حاد نتيجة مخاوف من ركود اقتصادي عالمي، لتتراجع أسعاره إلى أدنى مستوياتها منذ سنوات. كما أثرت التوترات على سلاسل الإمداد العالمية، مما أجبر الشركات على إعادة التفكير في مراكز الإنتاج واللوجستيات.
هذا التباطؤ في التجارة العالمية انعكس على العديد من الدول، خصوصًا تلك التي تعتمد على تصدير المواد الخام أو الخدمات اللوجستية، مثل مصر.
مصر في قلب التأثيرات: تحديات وفرص
رغم أن مصر ليست طرفًا مباشرًا في النزاع، إلا أن اقتصادها تأثر بعدة طرق:
1. قناة السويس: التباطؤ في حركة التجارة العالمية، خاصة بين آسيا وأوروبا، أدى إلى انخفاض نسبي في إيرادات قناة السويس، وهو ما يمثل تهديدًا لأحد أهم مصادر الدخل القومي.
2. فرص لوجستية وصناعية: في المقابل، تتيح الحرب التجارية فرصة لمصر لجذب استثمارات في التصنيع والخدمات اللوجستية، مع سعي الشركات العالمية لتقليل اعتمادها على الصين كمركز إنتاج.
3. تأثير على العملة والاستثمار: الاضطرابات المالية العالمية قللت من تدفق الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة إلى الأسواق الناشئة، ومنها مصر، مما شكل ضغطًا على الجنيه المصري.
4. التحويلات والسياحة: أي تأثر للاقتصادات الخليجية أو العالمية نتيجة تقلبات أسعار النفط قد ينعكس على التحويلات المالية من المصريين بالخارج، وكذلك على قطاع السياحة المرتبط بالقدرة الشرائية العالمية.
5. فرص تصديرية جديدة: مع بحث الدولتين الكبيرتين عن شركاء تجاريين بديلين، قد تتمكن مصر من توسيع صادراتها إلى أسواق جديدة، إذا تم استثمار الفرصة بذكاء.
هل من نهاية في الأفق؟
رغم التصعيد، ما زالت احتمالات العودة إلى طاولة المفاوضات قائمة، مدفوعة بتأثير الحرب على الاقتصادين الأمريكي والصيني نفسيهما. ومع ذلك، فإن استمرار الصراع يعزز من احتمال ولادة نظام اقتصادي عالمي جديد، تتوزع فيه مراكز النفوذ والتصنيع بطريقة مختلفة تمامًا عما عهدناه.
الخلاصة:
الحرب التجارية بين أمريكا والصين ليست مجرد نزاع اقتصادي ثنائي، بل حدث عالمي يعيد تشكيل موازين القوى الاقتصادية والتجارية. ومصر، رغم كونها طرفًا غير مباشر، إلا أنها تتأثر – سلبيًا وإيجابيًا – بهذه التحولات، مما يتطلب منها سياسات اقتصادية مرنة، واستعدادًا لاقتناص الفرص قبل أن تفلت.