في ميلاد السيد المسيح

بقلم د. تامر خفاجي

0 54

فى روايته لميلاد السيد المسيح، يقول إنجيل متى 1: 22 – 23: «وَهذَا كُلُّهُ كَانَ لِكَىْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِىِّ الْقَائِلِ: «هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا، وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ» الَّذِى تَفْسِيرُهُ: اَللهُ مَعَنَا»، ملقيًا بهذا الضوء على نبوة وردت فى سفر إشعياء 7: 14: «وَلكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ».

عِمانوئيل كلمة عبرية مكونة من ثلاثة مقاطع، «عِم»، تَرِد فى القواميس العبرية بمعنى «مع، فى معيَّة، برفقة، بمصاحبة، بالقرب من، بجانب…»، «نو» ضمير الجمع المتكلم، وهى تقابل الضمير «نا» فى العربية، «إيل»، بمعنى الله، إذن «عمانوئيل» تفسيره: الله معنا، بجانبنا، بالقرب منَّا، برفقتنا.

وترد هذه الآية فى إنجيل متى فى سياق ظهور الملاك ليوسف النجار ليطمئنه أن العذراء حُبلى من الروح القدس، إذ يقول النص: «لَمَّا كَانَتْ مَرْيَمُ أُمُّهُ «يسوع» مَخْطُوبَةً لِيُوسُفَ، قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا، وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، فَيُوسُفُ رَجُلُهَا إِذْ كَانَ بَارًّا، وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُشْهِرَهَا، أَرَادَ تَخْلِيَتَهَا سِرًّا، وَلكِنْ فِيمَا هُوَ مُتَفَكِّرٌ فِى هذِهِ الأُمُورِ، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ فِى حُلْمٍ قَائِلًا: «يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ، لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ، لأَنَّ الَّذِى حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، فَسَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ، لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ».

يبرز لنا النص يوسف النجار كشخصية محورية فى أحداث ميلاد المسيح، ونلاحظ أول كل شىء أن يوسف النجار لم يكن متزوجًا من العذراء مريم، ولكن كما يقول النص إن مريم كانت مخطوبة ليوسف، والخطوبة فى السياق اليهودى هى مرحلة أساسية فى الزواج تشمل إشهار الزواج وتوثيقه، ولكن دون أن يحدث الزواج بين الرجل والمرأة، والعلاقة بين يوسف والعذراء مريم كانت بنفس الشكل، ولهذا كان من الغريب أن يجد يوسفُ النجارُ مريمَ حبلى بطفل.

والمجتمع اليهودى فى القرن الأول، الذى نشأ فيه السيد المسيح، كان مجتمعًا محافظًا مثل مجتمعنا، ومن الطبيعى أن يتساءل الناس وتلوح الاتهامات فى الأفق، لكن يخبرنا البشير متى أن وسط هذه الأحداث ظل يوسف النجار رجلًا بارًّا، إذ قرر أن يترك مريم بطريقة هادئة دون أن يعرضها لفضيحة اجتماعية صعبة.
نلاحظ أيضًا من النص أن يوسف كان خائفًا، إذ يطمئنه الملاك فى بداية حديثه قائلًا: «لا تخف»، لأن الشريعة كانت تقتضى على الزوج أو الخطيب إذا اكتشف زوجته أو خطيبته حبلى من مصدر لا يعرفه أن يفصح عما اكتشفه، لكن يوسف اختار اختيارًا آخر.

ورغم حسن نية موقف يوسف النجار، لكنه كان مبنيًّا على فهم محدود، فتدخل الله ليعلن له حقيقة الأمر، فحينما حدث لقاء إلهى مع يوسف النجار، فهم الحقيقة، وأعلن الملاك ليوسف النجار أن العذراء مريم بريئة وأن الاتهامات التى يطلقها اليهود غير حقيقية وأن العذراء مريم حبلى بالروح القدس، الآن يفهم يوسف كل الحقيقة.

فى الكتاب المقدس، يحمل الاسم دلالة تنعكس على حياة الشخص، فدلالة اسم «عمانوئيل» كانت حاضرة فى طمأنة يوسف النجار، الذى ربما كان خائفًا، وطمأنه الملاك بأن الله حاضرٌ فى الموقف وأنه لا يتركه، كذلك كان الله حاضرًا فى حياة القديسة العذراء مريم، باختيار الله لها لامتياز أن تلد السيد المسيح، ولوجود يوسف بجانبها معينًا ومساندًا.

وكم نحتاج اليوم لهذا الشعور بمعية الله ورفقته وحضوره وسط ظروفنا ومخاوفنا، ربما نشعر بهذا الحضور بسبب وجود بعض الأشخاص فى حياتنا يساندوننا ويشعرون بإحباطاتنا ويعزوننا ويدعموننا ويشجعوننا، وإلى جانب هذا نحتاج أن يشعر الآخرون بهذا الحضور من خلالنا، لنكون نحن أيضًا داعمين ومساندين ومحبِّين، وهذا هو أبلغ معنى للتضامن.

الخوف عند الإنسان يستطيع أن يخرج أسوأ ما فيه، لكن يوسف النجار تصرَّف بوداعةٍ وحكمةٍ وحرصٍ على حياة مريم العذراء، ورغم خوفه، لم يفكر فى إيذائها أو الإساءة إليها. ببساطة، يوسف النجار، كما يقدمه لنا إنجيل متى، يعيد تعريف الخوف، بأنه انتباهٌ لأبعاد الموقف، ولكنه ليس هلعًا، لهذا نحن أيضًا لا يجب أن يصيبنا الهلع والرعب حينما تحدث المفاجآت.

عمانوئيل، كلمة تدعونا للاطمئنان، حتى عندما يبدو أن كل شىء ضدنا، الله موجود حيث لا نتوقعه، وفى أوقات لا نتخيلها، وفى كل مرة نتضامن مع إنسانٍ فنحن ننفِّذ روح الوصية الإلهية، ولهذا فميلاد المسيح هو إعلان تضامن عظيم بين الإنسان وأخيه الإنسان، مبنى فى الأساس على تضامن إلهى مع الإنسانية.
عمانوئيل يعنى أن الله معنا، الله مع الإنسان، ولهذا فإن الإنسان عليه أن يتضامن مع أخيه الإنسان فى مواجهة الشر والخوف، تضامنًا يبنى الحياة، يحفظ الكرامة، ويؤسس لعهد جديد لا فرق فيه بين رجل وامرأة، غنى وفقير، قوى وضعيف.

إن الاحتفال بميلاد المسيح «عمانوئيل» عيسي ابن مريم عليهما السلام يدعونا إلى التساؤل: كيف نتصرف عندما نخاف؟ وكيف نُطمئِن الخائفين؟ وكيف نتضامن مع بعضنا البعض كما تضامن الله معنا فى ميلاد السيد المسيح؟ أدعوكم أن يكون ميلاد السيد المسيح فرصةً لنتذكر كيف تضامن الله مع الإنسانية، حتى نستطيع نحن البشر أن نتضامن معًا وسط الأزمات وان نبتعد عن الخوف والفرقة وان نمنح بعضا البعض فرصه
فرصة الاقتراب والحب والتفاهم …فرصة لنعيش …فرصة لنحب فرصة لننسي الماضي ونثور علي افكارنا البالية والتي افنينا اعمارنا فيها فرصة جديدة لحياه جديدة
وللحديث بقية مادام في العمر بقية وغدا اغضل باذن الله .

بنك مصر مقالات
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.