قراءة فى خطاب الإمام الأكبر فى المنامة

بقلم د. تامر خفاجي

0 36

كانت كلمة فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ جامع الأزهر الشريف ورئيس مجلس حكماء المسلمين، فى المنامة – بالبحرين بمناسبة ملتقى «الشرق والغرب.. من أجل التعايش الإنسانى» وذلك فى نوفمبر الجارى، وبحضور قداسة البابا فرنسيس بابا روما وجلالة ملك البحرين، كلمة قوية ومؤثرة وعميقة تنمُّ عن خبرة وفهم عميقين لما يمر به العالم من أحداث تقتضى تضافر الجهود ذات النية الحسنة لإخراج العالم من كبواته الكثيرة، من حروب وأوبئة وأمراض وجهل ومُناخ مضطرب، وأهمها استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، والصراع الذى تعيشه الإنسانية اليوم فى الشرق والغرب. ويشير فضيلته إلى أن هذه المآسى سببها غياب ضابط العدالة الدولية الذى وضعه الله قانونًا لاستقرار المجتمعات وتحقيق توازن الإنسان، والتى يدفع ثمنها بُلدان العالم الثالث. كما تكلم الإمام الأكبر عن نظريات فلسفية غربية كـ«نظرية صراع الحضارات، ونهاية التاريخ، والعولمة» عن أنها نظريات استغلالية، تمكن لاستعمار حديث.
يستكمل فضيلته على أن جُلَّ هذه المخاوف التى تساور نفوس الشرقيين اليوم من الحضارة الغربية تساور وبالقدر ذاته عقول نخبة متميزة من مفكرى الغرب وكبار قادته، فقد أدرك بعضهم أن «السياسة الغربية لم تعد مجدية فى معالجة الأزمات العالمية، لما تتسم به من تشنجات تقوم على استعراض «عضلات السلاح المدمر الذى يهدد الإنسانية»، واقترح أن تحل «الثقافة» محل السياسة فى العلاقات الدولية، لما للثقافة من قدرة على فهم الإنسان، واستيعاب أبعاده المتعددة جسدًا وروحًا وعقلًا ووجدانًا.
والحقيقة أن الغرب فى حاجة إلى حكمة الشرق وأديانه وما تربى عليه الناس من قيم خلقية ونظرة متوازنة إلى الإنسان والكون وخالق الكون، وهو فى حاجة إلى روحانية الشرق، وعمق نظرته إلى حقائق الأشياء، وإلى التوقف طويلا عند الحكمة الخالدة التى تقول: «ليس كل ما يلمع ذهبًا»، بل إن الغرب لمحتاج إلى أسواق الشرق وسواعد أبنائه فى مصانعه فى إفريقيا وآسيا وغيرهما، وهو فى حاجة إلى المواد الخام المكنوزة فى أعماق هاتين القارتين، والتى لولاها لما وجدت مصانع الغرب ما تنتجه.. وليس من الإنصاف فى شىء أن يكون جزاء المحسن مزيدًا من الفقر والجهل والمرض.. والشىء ذاته يقال على الشرق، فهو فى حاجة إلى اقتباس علوم الغرب والاستعانة بها فى نهضته التقنية والمادية، واستيراد المنتجات الصناعية من أسواق الغرب؛ كما يجب على الشرقيين أن ينظروا إلى الغرب نظرة جديدة فيها شىء من التواضع، وكثير من حسن الظن، والشعور بالجار القريب، والفهم المتسامح لمدنية الغرب وعادات الغربيين بحسبانها نتاج ظروف وتطورات وتفاعلات خاصة بهم دفعوا ثمنها غاليًا عبر قرون عدة.
ولقد أكدت ذلك فى وضوح شديد وثيقة «الأخوة الإنسانية»، تلك التى أحدثت حراكًا ملموسًا – فى الشرق والغرب- وقدمت نموذجًا متميزًا لما ينبغى أن يكون عليه حوار الأديان والحضارات من احترام متبادل وتأثير فعلى فى علاقات الشعوب المبنية على التعارف والتعاون والأخوة والسلام، وسلطت الضوء على أهمية العلاقة بين الشرق والغرب، وكيف أن لكل منهما أن يستفيد من الآخر.. وأنا واثق بإذن الله من أن مسيرة الأخوة الإنسانية والتى يعد هذا الملتقى التاريخى على أرض البحرين الطيبة أحد أهم روافدها وأركانها الداعمة، سوف تسهم فى تعزيز هذا التقارب والتعارف بين الشرق والغرب.. وكيف لا! وقد مثّل إعلان مملكة البحرين للتعايش السلمى خطوة مهمة لتعزيز المواطنة وإعلاء قيم التسامح والتفاهم بين الناس.
لدينا اليوم نظرية شرقية إسلامية بديلة لنظرية «صراع الحضارات» تسمى نظرية: «التعارف الحضارى»، حظيت فى الآونة الأخيرة باهتمام فريق من المفكرين والباحثين المتميزين، وقدموها كرد فعل مناقض لنظرية «الصراع الحضارى»، وهى تعنى الانفتاح على الآخر، وتعرُّف كل من الطرفين على الطرف الآخر فى إطار من التعاون وتبادل المنافع، وتمكين الإنسان من أداء الأمانة التى ائتمنه الله عليها، وهى: إعمار الأرض، ومسؤوليته عن إصلاحها وعدم الإفساد فيها بأى صورة من صور الفساد.
ويقول الإمام الأكبر أيضًا ثم يعرج فضيلته إلى دعوته لحوار إسلامى – إسلامى جاد من أجل إقرار الوحدة والتقارب والتعارف، ونحن بدورنا نشجع كل حوار جاد، فالإنسان والإنسانية اليوم تئن لن تجد إلا الحوار الحضارى سبيلًا الذى سيضفى على منطقتنا سلامًا واستقرارًا وتنمية لصالح الأضعف والأصغر.
وللحديث بقيه مادام في العمر بقية …..وغدا افضل بإذن الله

بنك مصر مقالات
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.