قراءة في مشهد الصراع العربي الاسرائيلي

بقلم د. تامر خفاجي

0 34

ربما كان الصراع العربي الإسرائيلي من أعنف الصراعات الدولية ومن أكثرها عمراً! لم يبدأ هذا الصراع منذ عام 1948 وهو تاريخ إنشاء دولة إسرائيل وتاريخ الاعتراف الفوري للولايات المتحدة الأميركية بها، واعتراف الاتحاد السوفييتي أيضاً. لكن الصراع بدأ منذ العشرينيات، حين تدفقت موجات الهجرة اليهودية إلى فلسطين مدعمة بوعد “بلفور. والواقع أن الحركة الصهيونية العالمية وضعت استراتيجية متكاملة للاستعمار الاستيطاني في فلسطين، لم يكن هدفها مجرد الاستيلاء على أرض الشعب الفلسطيني بالقوة أو بالمراوغة فقط، ولكن إحلال موجات اليهود المهاجرين محل الشعب الفلسطيني صاحب الأرض. ومما ساعد الحركة الصهيونية على التغلغل في فلسطين، عوامل عدة؛ أهمها الدعم المالي الضخم لحركة الاستيطان من قبل أثرياء اليهود في العالم، وكذلك التواطؤ الدولي. وكانت بريطانيا هي من قاد هذه العملية ودعم الحركة الصهيونية، رغم بعض الخلافات بين الطرفين، والتي انعكست على أرض فلسطين ذاتها. غير أن هناك عاملاً آخر ساعد الحركة الصهيونية على التغلغل في أرض فلسطين وهو قلة الوعي العربي بخطورة الصهيونية كحركة عنصرية، وعدم معرفة استراتيجيتها على المديين المتوسط والطويل. وإذا كان الشعب الفلسطيني الذي وقع عليه العدوان، قد أفاق من صدمات التهجير اليهودي إلى فلسطين، وبدأ المقاومة على أصعدة شتى، كما تجلى ذلك في ثورة عز الدين القسام، فإن الوعي العربي عامة لم يدرك إلا متأخراً خطورة المخطط الصهيوني. ويشهد على ذلك أن الجيوش العربية تنادت عام 1948 لمقاومة العصابات الصهيونية التي كانت تقود حركة الاستيطان، لكن هذا التحرك المتأخر والذي انتهى للأسف بهزيمة عربية فادحة، ثم بعد أن أحكمت الحركة الصهيونية قبضتها على فلسطين. ولسنا بحاجة لتعقب تطورات الصراع العربي الإسرائيلي منذ عام 1948 حتى الآن، فهي وقائع معروفة وأبرزها من دون شك هي الهزيمة العربية عام 1967 والتي ترتب عليها سقوط الضفة الغربية والجولان وسيناء. ولم تستطع مصر أن تحرر أرضها إلا بجهد جهيد في حرب أكتوبر عام 1973، وهى حرب مجيدة، لأنها حررت المواطن العربي من عقدة الخوف من القوة الإسرائيلية. ولا شك أن تأسيس المقاومة وبروز “منظمة التحرير الفلسطينية” باعتبارها الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني، كان صفحة مجيدة في تاريخ هذا الشعب المناضل. وعرفت المقاومة الفلسطينية لحظات صعود، لكنها عانت أيضاً من لحظات هبوط واضحة. ولعل “اتفاقية أوسلو” بين المنظمة وإسرائيل، تعد علامة فارقة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي. ورغم أن هذه الاتفاقية أتاحت قيام سلطة فلسطينية لأول مرة على جزء من الأرض الفلسطينية، فإنها كانت محل رفض مطلق لبعض الفصائل الفلسطينية على أساس ما تتضمنه من “تفريط” في الحقوق الفلسطينية. ويمكن القول الآن إن الصراع العربي الإسرائيلي يمر حالياً بلحظة الحقيقة. ونعني بذلك تحديداً اللحظة التي يمكن أن تغير فيها إسرائيل عقيدتها الثابتة والتي تعني عدم القبول بدولة فلسطينية مستقلة، وفي نفس الوقت استعداد الفصائل الفلسطينية الرافضة للاعتراف بدولة إسرائيل للتفاوض معها سعياً إلى صيغة مقبولة للدولة الفلسطينية المستقلة. لم تعد منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني. برزت حركة “حماس” أولاً كحركة منافسة لمنظمة التحرير في مجال المقاومة. ونشأت بين الحركتين خلافات شتى. غير أن لحظة التطور الحاسمة جاءت بعد انتصار “حماس” في انتخابات ديمقراطية نزيهة، سمحت لها بتشكيل حكومة برئاسة إسماعيل هنية. غير أن هذه الحكومة قوبلت بحصار دولي عنيف من قبل الولايات المتحدة الأميركية خصوصاً، والتي تدعي أنها تقبل بنتائج الانتخابات الديمقراطية، ومن قبل الدول الأوروبية أيضاً، لكن حركة “حماس” التي كنا نرجو لها بعد فوزها في الانتخابات أن تتحول من شطحات الأيديولوجيا المتطرفة إلى واقعية السياسة العملية، فشلت في الاختبار وأعلنت شعاراتها المعروفة وأهمها عدم الاعتراف بدولة إسرائيل وعدم التفاوض معها. ويعجب المرء كيف لا تستطيع “حماس” أن تدرك أبجديات العمل بالسياسة! بعبارة أخرى كان ينبغي عليها عدم الإلحاح على شعار عدم الاعتراف بإسرائيل، سعياً وراء تحقيق المصالح العليا للشعب الفلسطيني وأهمها الخلاص من الاحتلال الإسرائيلي المدمر للبشر والحجر على السواء، ومحاولة التوصل من خلال المفاوضات إلى صيغة سياسية متوازنة تكفل إنشاء الدولة الفلسطينية حتى ولو كان ذلك محاطاً بقيود ثقيلة. وهذه القيود يمكن التحرر منها على المدى الطويل نتيجة مقاومة من نوع مختلف عن المقاومة المسلحة التي ثبت أنها -لظروف شتى– لم تنجح في تحقيق التحرير. ووقع ما وقع وأصبح هناك –للأسف الشديد– معسكران متصارعان: “حماس” و”فتح”. ورغم الجهود العربية التي سعت إلى تنظيم حوار فعال بين المعسكرين، فإن محمود عباس وأركان السلطة الفلسطينية لا يقبلون بالحوار بعد الانقلاب الوحشي الذي قادته “حماس” ضد السلطة وأوقع عشرات الضحايا. في هذه اللحظة بالذات تقدم رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت بعرض للتفاوض مع السلطة الفلسطينية، وصرح قائلاً إن إسرائيل مستعدة لإعطاء السلطة الفلسطينية 90% من أرض الضفة الغربية بشروط معينة وفى مفاوضات يمكن أن تجري في القريب العاجل، وذلك بعد أن جرت لقاءات بينه وبين عباس في القدس. وهذا العرض الإسرائيلي يثير مرة أخرى قصة الفرص الضائعة! ونعني بذلك أنه حانت – فيما تقوله التقارير الموثوقة – فرصة تاريخية لحل الصراع العربي الإسرائيلي في أواخر عهد الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، والذي حاول أن يختم فترته بتحقيق إنجاز تاريخي لحل الصراع العربي الإسرائيلي. ويبدو أن إيهود باراك رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت كان مستعداً. إلا أن الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات – فيما تقوله التقارير– أضاع فرصة تاريخية على الشعب الفلسطيني لأن العرض الإسرائيلي كان يتضمن تنازلات إسرائيلية مهمة. لكن جمود الإدراك السياسي لدى عرفات في نظر بعضهم، والمقاومة العنيفة التي كان يتوقعها من قبل بعض الفصائل الفلسطينية من ناحية أخرى، هي التي أدت به إلى الرفض. وها نحن اليوم أمام فرصة أخرى، وإن كان يشوبها أن حكومة “حماس” –التي تشكلت بعد انتخابات ديمقراطية، أقصيت من الساحة. ومن هنا السؤال: هل يمكن لأولمرت تحقيق “المصلحة الإسرائيلية” متمثلة في قيام دولة فلسطينية مستقلة؟ وهل يمكن لعباس أن يخترق حاجز الجمود السياسي الفلسطيني التقليدي، ويحقق المعجزة؟ سؤال تجيب عليه التطورات اللاحقة في هذا الصراع المعقد.
وللحديث بقيه مادام في العمر بقية …. وغدا أفضل بإذن الله

بنك مصر مقالات
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.