يوم الاستقلال ومؤامرة بلفور

بقلم:د.تامر خفاجي

0 42

يحيى الشعب الفلسطينى فى كل أماكن وجوده يوم «الاستقلال الفلسطينى» فى 15 من شهر نوفمبر من كل عام، وهو اليوم الذى قررت فيه منظمة التحرير الفلسطينية إعلان دولة فلسطين من جانب واحد، أمام المجلس الوطنى فى دورته التاسعة عشرة التى انعقدت فى الجزائر عام 1988، وذلك بعد الانتفاضة الأولى التى اندلعت فى الأراضى الفلسطينية عام 1986، واستمر وهجها الذى لفت انتباه العالم بأن هناك شعباً لا يزال يقبع تحت الاحتلال، يعانى من ويلات المحتل وقمعه وتطرفه وعنصريته.
جاء إعلان وثيقة الاستقلال بمثابة رسالة سلام فلسطينية موجهة للعالم أجمع تقول: إن الفلسطينيين يريدون العيش بأمن وسلام على جزء من أرض فلسطين التاريخية، مقدمين بذلك تنازلاً مؤلماً من أجل إقامة دولتهم على حدود الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف، بحيث تكون دولة لكل الفلسطينيين أينما كانوا، فيها يطورون هويتهم الوطنية والثقافية، ويتمتعون بالمساواة الكاملة فى الحقوق، تصان فيها معتقداتهم الدينية والسياسية وكرامتهم الإنسانية.
لطالما روجت الدعاية الصهيونية وأدواتها فى العالم بأن الشعب الفلسطينى باع أرضه، وأنهم الأحق فى فلسطين التاريخية، ولعل رئيس الحكومة القادم بنيامين نتنياهو خير مثال للفكر الصهيونى، الذى لا يؤمن بأى حلول يكون الفلسطينيون طرفاً فيها، كل ما يطرحه مجرد تحسين الأوضاع المعيشية لسكان يعيشون فى دولة إسرائيل! جملة «الفلسطينيون باعوا أرضهم» تكررت كثيراً، وكذبة روجها المشروع الصهيونى والغرب منذ قرن بهدف تبرير احتلال أرض فلسطين، وسرقة بيوت السكان الأصليين، هذه الفكرة رددها عرابو المشروع الصهيونى وكرروا أن فلسطين «أرض بلا شعب» لـ«شعب بلا أرض»، لتسويق احتلالهم، وبالعودة إلى التاريخ تظهر بريطانيا كيف سهلت دخول اليهود إلى فلسطين، وكيف بدأ التخطيط لسرقة الأراضى بالقوة، قلة من اليهود آنذاك كانت تسكن فلسطين، لا يتجاوز عددها المئات قبل مجىء الانتداب البريطانى، لكن تدخل بريطانيا لدى السلطات العثمانية مهد لإصدار أول فرمان عام 1849 يجيز لليهود التملك فى الأراضى المقدسة، ليتم بذلك إنشاء نواة أول مستوطنة يهودية فى فلسطين.
الأيادى السود ما لبثت أن بدأت تظهر بوضوح مع قدوم الانتداب البريطانى لتفضح بعدها نيتها فى بناء وطن لليهود على أرض فلسطين، هذا الهدف ترجم لاحقاً «بوعد بلفور» الذى ينص على تأييد حكومة بريطانيا إنشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين، وحين بدأ الانتداب البريطانى لفلسطين كانت نسبة اليهود فيها 7% من إجمالى عدد السكان، ويملكون 1% فقط من أراضى فلسطين.
لقد ترجم «وعد بلفور» عملياً بعدة أشكال، حكومة الانتداب البريطانى أدت دوراً واضحاً وعملت على إثقال كاهل المزارعين الفلسطينيين بالديون والضرائب الضخمة، بهدف سلبهم أراضيهم وتحويلها إلى ملكية للسلطات، وتمريرها إلى المجموعات الصهيونية لاحقاً، فيما ألغت حكومة الانتداب العديد من القوانين التى يعود عمرها إلى الحقبة العثمانية، وكانت حاجزاً أمام اليهود لامتلاك العقارات فى فلسطين، إضافة إلى اختراع قوانين تمنع مثلاً الفلسطينيين فى الخارج من امتلاك أى أرض فى وطنهم.
إن عملية السرقة الممنهجة للأرض وصلت إلى حد سن قوانين لنزع الملكية، وتبيح لصاحب أى مشروع يهودى نزع ملكية مناسبة لمشروعه حتى وإن لم يوافق مالكوها الفلسطينيون على بيعها. كما قامت السلطات الاستعمارية بتطوير شبكة المواصلات والاتصالات، وأنفقت أموالاً طائلة بهدف إجراء مسح كلى لفلسطين، ودعم النشاطات المحلية لتعزيز الجهد الاستيطانى، وتعمدت هذه السلطات تهميش المشروعات العربية وإعطاء الأولوية لاستثمارات اليهود.
فالقوانين والتشريعات واستخدام القوى لم تكن وحدها كافية لتحقيق «وعد بلفور»، فكانت هناك حاجة إلى جلب المزيد من اليهود إلى فلسطين، ولهذه الغاية، أنشأت الوكالة اليهودية الهيئة التى نظمت ومولت ورعت الهجرة اليهودية من الشتات إلى فلسطين، من أجل إنشاء الوطن القومى لليهود، لتخرج بذلك بريطانيا عام 1946 من ما مجموعه مليون ونصف مليون من الأراضى المسروقة، ثم تتبنى الأمم المتحدة قرارها التاريخى بتقسيم فلسطين عام 1947.
لقد قوبل المخطط الصهيونى ورعاية بريطانيا له بانتفاضات وثورات شعبية وتحركات نضالية فلسطينية منذ البداية، كان أبرزها ثورة البراق عام 1929 والإضراب الفلسطينى الكبير عام 1936 ومعركة القسطل عام 1948 التى استشهد فيها القائد «عبدالقادر الحسينى». وخلال أكثر من مائة عام تواصلت المقاومة الفلسطينية ضد دولة الاحتلال وعمليات التهجير والتطهير العرقى.
صمد الفلسطينيون فى مواجهة كيان محتل مدعوم عسكرياً من سلطات الانتداب البريطانى، ولاحقاً من أطراف دولية على رأسها أمريكا. وفى الأثناء تحولت المقاومة الفلسطينية إلى ثورة من خلال العمل السياسى والعسكرى إلى يومنا هذا.
فى مقابل الدعاية الصهيونية التى يروج لها الإعلام الغربى فى المنابر الدولية، وعلى الرغم من كل المحاولات لتشتيت الفلسطينيين وتهجيرهم قسرياً، والتضييق عليهم، ومحاولات عزلهم عن محيطهم، يصر الفلسطينى على التمسك بأرضه وعدم التخلى عنها حتى لو بقى وحيداً
وللحديث بقيه مادام في العمر بقية….. وغدا افضل باذن الله .

بنك مصر مقالات
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.