حسين كمال أصر على عماد حمدي، ولم تجد الشركة بُد سوى الموافقة على طلبه
حسين كمال لما حب يعمل فيلم “ثرثرة فوق النيل” قام باختيار الفنان عماد حمدي، لكن شركة الإنتاج وقتها كانت مصرة بشكل كبير على محمود مرسي، وذلك استغلالاً بشكل رئيس لنجاحه الساحق في فيلم “شيء من الخوف” .. لكن حسين كمال أصر على عماد حمدي، ولم تجد الشركة بُد سوى الموافقة على طلبه!
عندما عرضوا العمل على عماد حمدي شعر أنها فرصة عمره، وأن الفنان قلما تأتيه أدوار مثل هذه في حياته! بالرغم من أنهم عرضوا عليه مبلغ ضئيل كأجر له عن الدور، ولا يتناسب مع قدره إطلاقًا، إلا أنه وافق وتمسك بالدور.
الفيلم هو المعاجة السينمائية التي قام بها ممدوح الليثي لرواية أديب نوبل الكبير نجيب محفوظ، والتي تحمل نفس العنوان “ثرثرة فوق النيل” .. وكتبها محفوظ عام 1966 وتم إنتاجها سينمائيًا عام 1971.
في الواقع عماد حمدي أبدع بشكل رائع في أداءه لشخصية “أنيس زكي” .. الشخص المحبط اليائس، الذي يعلم ويعي كل شيء، ومن فرط إدراكه وعلمه بما حوله يعذبه ضميره كل وقت وحين، فيقرر بملء إرادته أن يكون في حالة شبه دائمة من الغياب عن الوعي والإدراك، حتى يهرب من ضميره وروحه المعذبة!
الصورة دي عظيمة اوي، تبينلك طبيعة الشخصية بدون جهد كبير، شخص باطنه غير ظاهره، ففي باطنه اليقين والإدراك والضمير الحي، وظاهره للناس أنه “نصف ميت ونصف مجنون” كما وصفوه في الفيلم .. وكان هو ذلك الشخص المهرج الذي لا يتحدث على الإطلاق، ويُسّرِي عن الناس ووصفوه بأنه ملك المزاج .. وهو في واقع الأمر يراهم جميعًا حمقى مثيرون للشفقة!
أما من حوله فكانت مظاهرهم الخارجية برَّاقة لامعة جذَّابة، صفوة الصفوة، قامات وقمم من الخارج، وداخلهم أجوف تافه متسلق طفيلي، يعيشون الحياة متشدقين بمثل وشعارات لا يعملون بها، متخذين منها شعار أجوف رنان .. وهم في الحقيقة يعيشون لأنفسهم ولو على حساب الجميع، لا يملكون أي ضمير، موتى من الداخل !!
وفي النهاية عندما حان وقت استيقاظ الضمائر، ظهر هو بطبيعته الطيبة ومعدنه الحقيقي، وظلوا هم في كذبهم وضلالهم وخديعتهم!!
وكان مشهد نهاية الفيلم البديع عندما فك الحارس سلسلة “عوامتهم” وتركها تسري بهم في النيل!
طبعًا اللي شاف الفيلم عارف أنا بحكي عن أيه، وعارفين نهاية العمل ورمزياته
أما عماد حمدي فقد قام بالتمثيل في معظم فترات الفيلم بنظرات عينه، وإيماءاته، وحديثه القليل، وصدق توقعه أن هذا العمل فعلاً ترك له وبه أثرًا كبيرًا في تاريخ السينما المصرية لا يُمحى.
الفيلم كسر الدنيا عند عرضه، وظل من علاماتها الكلاسيكية، وحل في المركز 48 في قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية.