المؤكد أن مسؤولية انهيار الذوق العام فى مختلف أنواع الفنون تقع على عاتق الدولة والنخبة معا، ان كان قد تبقى من “النخبة” الا من “رحم ربى” لتفرض وجودها اليوم فى ساحة مليئة بأمواج عاتية من الإسفاف والابتذال والسقوط والانحطاط والانهيار الاخلاقى، وللاسف الشديد جميعها مرتبط بالعرض والطلب وذى مابيقولوا ” مغنى ودلع ورقص وطرب”.
حقيقة الامر أن المتحكم فى تلك الأزمة المزمنة والراهنة “المادة “، وبمنطق “معاك فلوس تحضن وتبوس”، وما يصاحبها من ضخ اعلامى وبلغة العصر “ركوب الترند”، البوابة السريعة للشهرة لتميزها بخلوها من كافة المعايير الاخلاقية والإنسانية والاجتماعية وربما الدينية، وليس بمنطق الكفاءة والأبداع والتميز، والتفرد فى تقديم محتوى ومضمون محترم.
فالصراع على المادة واجب ولمن يدفع أو يملك أكثر ليفرض ذوقه وارادته على الجميع بعيدا عن أية معايير آخرى، تعانى منها اليوم كافة الفنون الجادة من دراما ومنوعات وسينما وطرب ومهرجانات حقيقية تتحمل فيها الدولة ممثلة فى وزارة الثقافة وكافة الاجهزة المعاونة من مختلف الهيئات والمؤسسات الحكومية ومعها بالطبع النخبة المثقفة من أدباء وكتاب ومفكرين وفنانين لهم تاريخ وتأثير فى الراى العام ، ومن قبل كل ذلك ايضا المسؤولين والمعنيين بالثقافة والفنون فى مختلف قصور الثقافة المصرية بمحافظاتها لحماية مجتمعاتنا من السقوط والضياع .
كما تقع مسؤولية الدولة فى التركيز والاهتمام بفئة الشباب والنشىء عبر تنفيذ برامج توعية بأهمية تطوير منظومة التعليم الشاملة بدءا من طلاب ومعلمين ، وابتكار كتب وثقافة تحصنهم جميعا من مخاطر المخدرات وخطورتها على الصحة العامة بل على الحياة لتزرع بداخلهم ملكة الابداع وحرية القرار والفرز الحقيقى لحقيقة ما يبث وينشر عبر وسائل الاعلام وشبكات التواصل الاجتماعي لمحاربة اللغة الهابطة والإسفاف فيها والتى يجرى تسويقها عبر نصوص ضعيفة وربما أكثرها أشد تفاهه.
كما ينسحب ذلك الحال أيضا على وضع الدراما التى تعانى وبحق قصورًا شديدا فى اعتمادها على اللغة الشعبوية الهابطة والمصطلحات الركيكة وتلميحات جنسية عوضا عن استبدالها بنصوص محترمة تميزت بها الدراما المصرية عبر تاريخها الطويل ، وكانت تحمل الكثير من المعانى والاشارات النبيلة .
ومع المنطق السائد الذى تبنى فكرة تعميم “الأمية الثقافية” ، لتتراقص على أوتارها ما يطلبه المغيبون ، وما يحب أن يشاهدوه من صور مسلية جنسيا تلميحا وتصريحا عبر استخدام لغة الاشارة والهمز واللمز ،وخاصة فى عصر الذكاء الاصطناعي وما يقدمه حاليا وسيقدمه مستقبلا وبما ينعكس بشكل سلبى ومؤثر وبحق على الهوية الثقافية فى مجتمعاتنا العربية ومنها المصرية وبما يؤكد وجود أزمة فكر وأزمة ابداع وأزمة ادب وبالتالى أزمة نصوص .
ومع التطورات الهائلة فى عالم الميديا وارتباطها بالتحولات السريعة لإيقاع الحياة فى المشهد البصرى وعبر منصات اعلامية عربية متعددة لجذب جمهور معين، وشرائح متنوعة وربما جزء كبير منها من “فاقدي الوعى”، من العامةً والدهماء من وجدوا طريقهم عبر انطلاق بعض من أصحاب المهن والحرف ك ” حمو بيكا وشطا وكزبرة وشاكوش “، وسقوط البعض من الفنانين فى الابتذال والتعرض كمحمد رمضان وعمر دياب واعتبارهم مع الأسف الشديد كريمة المجتمع، وبحجم ما يملكونه من أموال وقصور ليبدوا المشهد مأساوي للكثير من المجتهدين على السطح فى شكل قبيح ومثير للاستفزاز ودون سابق انذار .