في خطوة وُصفت بأنها الأخطر منذ توقيع اتفاقيات أوسلو، كشفت تقارير إعلامية عبرية وأمريكية عن ملامح صفقة سرية بين الولايات المتحدة وإسرائيل تهدف إلى إنهاء الحرب في غزة، مقابل ترتيبات سياسية وأمنية غير مسبوقة، من شأنها إعادة تشكيل خريطة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بالكامل، وسط تغييب شبه تام للإرادة الفلسطينية والعربية الشعبية.
ووفقًا لما نشرته صحيفة “إسرائيل هيوم” العبرية، المقربة من مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فقد جرت مكالمة ثلاثية خلال الـ 48 ساعة الماضية بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ونتنياهو، ووزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، بحضور وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، تم فيها التوافق على الخطوط العامة لخطة كبرى من المنتظر الإعلان عنها رسميًا في قمة ثنائية خلال أسابيع في واشنطن.
أبرز ملامح الصفقة كما وردت في التسريبات:
1. وقف شامل لإطلاق النار في غزة:
تنص الخطة على إنهاء العمليات العسكرية بشكل كامل خلال أسبوعين، مقابل إفراج المقاومة الفلسطينية عن جميع الأسرى الإسرائيليين، مع خروج قيادات حركة “حماس” من القطاع إلى دول أخرى مثل تركيا أو قطر أو لبنان.
2. إدارة عربية – دولية لقطاع غزة:
بحسب ما ورد، لن تعود غزة إلى السلطة الفلسطينية، ولن تبقى تحت حكم حماس، بل ستُدار من قِبل تحالف عربي – دولي، يضم مصر والإمارات والأردن والمغرب، تحت إشراف مباشر من الولايات المتحدة وإسرائيل.
ومع ذلك، أكدت مصادر دبلوماسية عبر وكالة “رويترز” أن مصر لم توافق على هذا الطرح حتى الآن، وتُصر على الحفاظ على دورها كوسيط محايد وليس كطرف إداري.
3. اعتراف أمريكي بـ”السيادة الجزئية” لإسرائيل على الضفة:
تشمل الخطة منح إسرائيل سيادة رسمية على مناطق واسعة من الضفة الغربية (مناطق C)، مع بقاء الإدارة الفلسطينية في جيوب منفصلة، ما يعني عمليًا تقسيم الضفة وتفكيك إمكانية قيام دولة فلسطينية متصلة.
4. توسيع اتفاقيات التطبيع (اتفاقيات أبراهام):
تهدف الصفقة إلى ضم دول جديدة إلى اتفاقيات التطبيع، بينها السعودية ولبنان وسوريا، مقابل تقديم حوافز ضخمة، أبرزها:
رفع العقوبات عن النظام السوري.
ربط لبنان بخدمة الإنترنت الفضائي “ستارلينك” المملوكة لإيلون ماسك.
استثمارات أمريكية كبرى في البنية التحتية اللبنانية.
وتزامنًا مع هذه التحركات، بدأت واشنطن فعليًا في بناء واحدة من أكبر سفاراتها في الشرق الأوسط في بيروت.
السعودية والموقف من القضية
السعودية سبق أن أكدت أنها لن تطبع علاقاتها مع إسرائيل دون قيام دولة فلسطينية مستقلة، لكن الصفقة تتجاوز هذا الشرط من خلال طرح “دولة فلسطينية غير مركزية”، منزوعة السلاح، ومجزأة في الضفة، بما يُستخدم كغطاء دبلوماسي لتجاوز الموقف الرسمي السعودي.
تأثير متوقع على إيران ومحور المقاومة
إذا ما تم تنفيذ هذه الصفقة، فسيشكل ذلك ضربة مباشرة لمحور المقاومة بقيادة إيران، إذ سيفقد نفوذه في قطاع غزة، كما سيُخنق امتداده العسكري في جنوب لبنان وسوريا.
وبحسب مراقبين، فإن الصفقة تسعى لتحويل الجنوب السوري واللبناني إلى مناطق نفوذ أمنية مشتركة بين واشنطن وتل أبيب، مع تقليص الوجود الإيراني وتفكيك البيئة الحاضنة للمقاومة المسلحة.
موقف مصر
حتى الآن، ترفض مصر المشاركة في أي تحالف لإدارة قطاع غزة، وتتمسك بموقفها الثابت الذي ينادي بحل الدولتين، وقيام دولة فلسطينية على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
وترى القاهرة أن تجاوز دورها أو فرض حلول جاهزة قد يؤدي إلى خلل استراتيجي في التوازن الإقليمي، ويفتح المجال لتدخلات أجنبية موازية تهدد المصالح القومية.
تفكيك الخديعة
بعيدًا عن عناوين السلام والتطبيع، تبدو الصفقة أشبه بـ إعادة ترتيب فوق الطاولة دون موافقة من تحتها.
هي تسوية شاملة تُمنح فيها إسرائيل مكتسبات دائمة، مقابل مكاسب مؤقتة للفلسطينيين وبعض الحلفاء الإقليميين.
لكنها في جوهرها تُعيد تعريف فلسطين كـ “ملف إداري” لا كقضية تحرر وطنية، وتُفرغ فكرة الدولة من معناها السيادي.
إن غياب الشفافية، واستبعاد القوى الفلسطينية الفاعلة، وفرض الأمر الواقع من الخارج، قد يؤدي إلى هدنة هشة لا تلبث أن تنفجر.
فالتاريخ يؤكد أن الصفقات التي لا تنبع من إرادة الشعوب لا تصنع سلامًا، بل تؤسس لجولات جديدة من عدم الاستقرار.