لا يفل الحديد الا الحديد

بقلم د. تامر خفاجي

0 47

يقول المثل العربي القديم: “إن الحديد بالحديد يُفلح”، وقد أثبتت التجارب بأن لا شيء يفلّ الحديد غير الحديد، ولم نعش قطّ في التاريخ مشهدا طغت فيه القوة وانتهت بغير القوة، ولا يكون الجنوح للسلم، إلا إذا لان الحديد وحده، وجنح هو أوّلا للسلم.

ما يحدث هذه الأيام في فلسطين هو انتكاسة جديدة بين جبروت “حديد” إسرائيل وغياب الحديد الفالح، إلا من أيدي مقاومين لا يمتلكون أكثر من أرواحهم، وإذا كنّا في عقود سابقة نكاد ننفجر غيظا أمام حبر ولعاب التنديد والاستنكار الورقي والشفهي الذي يلي تلك المجازر الإرهابية المقترفة من الصهاينة، فإننا في حرب الاستنزاف الجديدة ما صارت حتى تلك الاستنكارات تظهر ونسمع لها صوتا أو صدى، إلى درجة أن غالبية نشرات الأخبار في البلاد العربية والإسلامية لا تبدأ بما يقترفه الصهاينة من مجازر في جنين وفي غيرها، بل إن بعضها لا تُشير قطّ لما يحدث هناك في بلاد فلسطين، ومنها من غيّرت المفردات من شهيد إلى “قتيل”، ومن محتل ظالم إلى “جندي إسرائيلي”، في وهنٍ ما بعده وهن.

أوقفت إسرائيل الحروب الكلاسيكية التي بدأت في سنة 1948، بين جيشها والجيوش العربية، وعمدت إلى ما يشبه العمليات الجراحية الإرهابية التي تختار لها الزمان والمكان المناسبين، بحثا عن قليل من الأذى لجنودها ولاقتصادها، بذريعة متابعة الفدائيين أو “الإرهابيين” كما تصفهم، وفي المقابل لم يعد من ردّ سوى من أبناء فلسطين الذين لا حيلة لهم غير العمليات الفدائية أو الاستشهادية كما حدث في القدس الشريف، الذي يدنَّس يوميا أمام أنظار وأسماع قرابة ملياري مسلم.

لا نظن أن إسرائيل تجد نفس الدعم الذي كانت تجده في الحروب الكلاسيكية، من الولايات المتحدة الأمريكي ومن غرب أوروبا، فلكل بلد في العالم مشاكله الداخلية المعقدة بعد أزمتي كورونا وأوكرانيا، ولا نظن بأن العرب تنقصهم الحيلة والإمكانات، حتى نجد أنفسنا في هذا المشهد بين فعل حديدي، ولا ردّ فعل حديدي، وإذا تواصل التطاول على المسجد الأقصى وعلى جنين وغزة على نفس الوتيرة، فإننا سنجد أنفسنا بعد سنوات، ولا نقول بعد عقود، في أرض غريبة ومن دون شعب أصلا، وحينها سيصبح حلم الدولة الفلسطينية بعيد المنال إن لم نقل مستحيلا.

وصول إسرائيل إلى قلب أصفهان وقصفها لمصنع عسكري إيراني من دون أدنى ردٍّ من إيران، هو دليلٌ آخر على أن هذا الكيان مقتنع بأن لا حديدَ مقابل حديده، وبأن من يرعدون ويبرقون إنما هم أسودُ كلام، وفي الحروب نعامات، كما أبانت الأحداث والاستفزازات والمجازر التي قام ويقوم بها الإسرائيليون بين الحين والآخر، والتي لم تترك مسلما إلا واستعرضت أمامه حديدها، وبادلها باللاحديد.وللحديث بقيه مادام في العمر بقيه ….وغدا افضل باذن الله

بنك مصر مقالات
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.