مابين الدعاء والاستجابة

بقلم د.تامر خفاجي

0 44

يتساءل كثير من الناس والمؤمنون منهم بصفة خاصة، تساؤلا حائرا باحثا عن سر ومخرج له وتخلصًا منه، وهو أن الملايين من الناس تدعو الله ليلا ونهارا، في صلواتهم المفروضة والنافلة، وفي استسقائهم له سبحانه، وفي حلهم وترحالهم، ولكن الله لم يستجب لهم! أو قل لم يحسوا بأنه استجاب لهم! رغم أن الله -سبحانه- قال بأنه يستجيب لكل من دعاه من عباده؟ ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة 186]، ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر 60]؟
لا شك أن الله لا يُسأل عما يفعل، ولا يجب عليه شيءٌ سبحانه، ولكن في الوقت ذاته فإن الله لا يخلف وعده ولا ينقض عهده، ومنطق الأشياء يقتضي أن كل من يدعوه يستجيب له، لاسيما وأن الأمة مثقلة بالمظالم والطغيان الغربي المتطرف، وهي لا تملك من الطاقة التي تزيح بها هذه المظالم وهذا الطغيان المتطرف، ومن ثم فهي في أمسّ الحاجة للتدخل الإلهي!
ثم أليست الأمة في ضيم وضيق، تعاني مظالم كبرى، أكبر من طاقتها المحدودة؟ وتعاني الفقر والجهل والضعف والغثائية؟ ألسنا مؤمنين نؤمن بالله سبحانه وتعالى وندعوه كما أمرنا؟ ألسنا ندعوه خوفا وطمعا وتضرعا ومنا من يبكي في دعائه؟ أليس الله بصادق وعده؟ وهل يمكن أن يقول الله لنا شيئا ويخلفه؟
هذه التساؤلات وغيرها الكثير، أعتقد أنها تجول بخواطر كثير منا ولكنهم يطردونها من حياتهم خوفا من محاذير شرعية ومن سوء الأدب مع الله؛ لأن الله فعَّال لما يريد ولا يُسأل عما يفعل كما أسلفنا، وذلك من علامات الإيمان بلا شك، ولكن لو أنهم تركوا تلك التساؤلات تفعل فعلها فيهم، لشغلتهم كثيرا ووجدوا الإجابة المطلوبة أو على الأقل لعلهم اهتدوا إلى بعض المسلّمات التي أشعر أنني اهتديت إليها بفضل التفكير المستمر في الموضوع.
إن اعتقادنا في الله أنه يستجيب حتما كما وعد؛ لأنه سبحانه لا يخلف وعده ولا ينقض عهده، رغم أن ذلك ليس واجبا عليه؛ بل لا يحقُّ لأحد الاعتراض على فعله سبحانه، وفي الوقت ذاته فإن دعاء الداعين لا يضيع حتما؛ لأنه فعلٌ تعبُّدي والعبادة يَأجر عليها الله أيضا، وليست مجرد طلب يبحث عن إجابة، إما أن تكون أو يتبخر الدعاء ويذهب سدى، أي إن الدعاء يخلد باستقبال الله له، سواء حصلت الاستجابة حالا أو تأخرت أو لم تر آثارها.
ولكن ما لم ننتبه إليه هو أن الدعاء فنٌّ له قواعده وضوابطه وآلياته، لا بد من مراعاتها، كما أن للاستجابة قوانين وضعها الله ضمن السنن الناظمة للوجود الكوني والوجود الإنساني، وحركة هذا لوجود برمته، ومن ثم فإن ثمار الدعاء المرجوة لن تكون إلا إذا كانت مطابقة لفن الدعاء الذي أوجبه الله على الداعين، ومتناغما مع قوانين الاستجابة.
ولتوضيح هذا المعنى أعرض جملة من المعاني التي لها علاقة بهذا الفن وقوانين الاستجابة إليه، التي تكون سببا في التفريق بينهما بين الدعاء والإجابة، رغم أن ظاهر قول الله تعالى ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ التلازم وعدم التفريق بينهما:
أولا: قد يكون الداعي ليس أهلا للإجابة، بسبب معاصٍ ارتكبها ومظالم قام بها، فيكذب على هذا ويظلم هذا ويأكل مال هذا، فتكون معاصيه تلك مانعا من الإجابة؛ فالله لا يقايض هذه بتلك، وإنما الإجابة للعاصي تكون بمثابة التزكية له… ولو كان الأمر كذلك لارتكب الناس الموبقات ودعوا الله بما يمسح آثار تلك الموبقات كلها وهذا غير معقول. ومن ثم لا يمكن أن يستجاب لمن ليس أهلا من العصاة والمفسدين، باستثناء المظلوم، فإن دعوته لا تردّ بقطع عن مستوى تدينه؛ بل يقال إن دعوة المظلوم لا تردّ ولو كان كافرا.
ثانيا: الله يسيّر ويخطط وينفذ حركة الكون كلها ﴿وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ [الأنعام 59]، وربما كان الدعاء يستهدف إجابة من الله تُخلّ بشيء من ذلك؛ لأن الإنسان بطبعه يدعو بما يراه مناسبا له، ولا ينظر إلى ما يسبِّب من مشكلات أخرى جانبية، بسبب الذاتية والأنانية المفرطة، فالواحد منا قد يدعو بشيء يضرّ بغيره، أو يدعو على من لا يستحق، خطأ أو عمدا، والله بلا شك لا يقبل مثل هذا الدعاء أو لا يستجيب له، لأنه يخلّ بمنظومة تحكم الكون بقدر إلهي لا نعلم عن تفاصيله شيئا إلا بإذن منه سبحانه.
ثالثا: قد يستجيب الله لدعاء، ولكن ليس بالصورة التي أردناها ونحن ندعوه سبحانه، فتكون الاستجابة بصورة أفضل مما كنا نريد. وبِحُكم أننا في دعائنا منشغلون بالشيء الذي ننتظره ثمرةً لدعائنا، لا نرى غيره من الفضائل التي يتفضل الله بها علينا.. وهذه صورة من إجابة الدعاء التي يختارها الله لنا ولكن لا تظهر؛ لأنها لا تأتي بالصورة التي ننتظرها.
رابعا: ومن صور إجابة الدعاء أيضا أن الله يصرف عنا ما لا نرضى من الابتلاءات، فتكون استجابة، ولكنها بدلا من أن تكون استجابة بتحقيق ما نريد، تكون استجابة بصرف بلاء كان سيصيبنا فصرفه الله عنا، ولعل هذه هي الصورة التي قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم: “الدعاء يردّ القضاء”.
وخامسا وأخيرا: قد تكون استجابة الدعاء مؤجلة إلى يوم القيامة، بتخزين الكثير من الأجر والتخفيف من الذنوب، إذ تكون الاستجابة للدعاء أجورا مخزَّنة، باعتبارين إثنين، باعتبار أن الدعاء عبادة وهذه وحدها فضيلة كبرى، إذ تخزَّن مع العبادات التي نقوم بها في حياتنا: مثل الصلاة والصيام والزكاة وغيرها من العبادات التي يعجز العقل عن إدراك معناها، وباعتبارها أمورا ماسحة وناسخة لبعض أخطائها وزلّاتنا التي لا يخلو منها بشر.
جميع هذه الصور لا تظهر لنا؛ لأنها من الفعل الإلهي الذي نعجز عن إدراك معانيه، فتوهّمْنا أن الله لم يستجب لدعائنا، وربما ضرب بعضُنا صفحا عن الدعاء، فكان ذلك سبب في قطع العلاقة بالله. وللحديث بقية مادام في العمر بقية …….وغدا افضل باذن الله

بنك مصر مقالات
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.