الحلقات (من 27 الى 33) أحاديث لا تعني كل من يتابعني، فهي ذكريات خاصة لبعض من يتابعني، وأحسب أن البعض ربما ضاق أو تذمّر منها، وهذا الشعور هو ما أعتقد أنه يحل بأبنائنا وأحفادنا، الذين نحاول حبسهم في ذكرياتنا وبعض عاداتنا وتقاليدنا .
وكما كان لنا حق في صناعة ذكرياتنا، فإن أبناءنا وأحفادنا من حقهم أن يصنعوا ذكرياتهم، التي ستكون مختلفة. . نعم لا نتقبلها، لكنهم لا يحبسوننا فيها كما نفعل نحن، لأن ذكرياتنا وذكريات آبائنا، كانت محصورة في إطار محدود، في كل نواحي الحياة، بينما أبناؤنا وأحفادنا، يعيشون عصر السماء المفتوحة، التي لا تتفق أبدًا مع تلك الحدود، وذلك الإطار الذي كان حدًا وسياجًا، جعل الحارة هي كل حياتنا، ولادةً ونشأةً وتعليماً وتزاوجاً وربما عملاً لبعضنا.
من تجاوز الستين من أهل مكة المكرمة، وأهل المدينة المنورة على وجه الخصوص، هم اليوم بلا أمكنة تحفظ ذكرياتهم تلك، حتى الذين ارتبطت حياتهم بدروس المسجدين الشريفين وعلمائهما، لم يعد ذلك الارتباط ملزمًا لأبنائنا وأحفادنا، إلا طلبًا لشرف المكان، أما العلم فأصبح في كل مكان، وله أمكنة وأدوات، أكبر بكثير من حلقة في أحد المسجدين الشريفين، رغم أن شؤون الحرمين الشريفين مازالت تحافظ على إقامة تلك الحلقات، وغالبيتها إن لم يكن جميعها تعنى بالعلوم الشرعية .
وهذه دعوة صادقة، لكل الآباء، بالتخلي عن حبس الأبناء والأحفاد في ذكريات لم تعد أماكنها قائمة، فواقع بعض الحارات القديمة الآن في مكة المكرمة على وجه الخصوص، يرثى له، وقد شاهدت ذلك، عندما وقفت بنفسي على ما بقي من أطلال في حارة السليمانية قبل كتابتي لهذه الأحاديث.
*إذاعي وكاتب سعودي